في كلمته بمناسبة ذكرى “13 تشرين” قبل أيام، دعا رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل إلى انتخاب رئيس للجمهورية بالتفاهم “الآن”،من دون انتظار نتائج الحرب الدائرة في غزة، والتي قال إنها “ستطول للأسف”، مشدّدًا على أنّ “من يظنّ أن تسويات أو اتفاقات أو أحداثًا خارجية كأحداث غزة أخيرة، تفرض علينا رئيسًا، لمصلحة هذا أو ذاك، من هنا أو هناك، وبحسب نتائجها، هو واهِم”.
Advertisement
وفي تقاطع “نادر” مع باسيل، أعاد رئيس مجلس النواب نبيه بري طرح الفكرة ذاتها بشكل أو بآخر، ولو في سياق مغاير، وانطلاقًا من معطيات مختلفة، وذلك خلال لقائه رؤساء اللجان النيابية والمقرّرين على هامش جلسة البرلمان الثلاثاء، حين تحدّث عن “فرصة” لانتخاب رئيس للجمهورية، “أمام ما يجري في المنطقة وتصاعد العدوان الإسرائيلي على فلسطين وغزة ولبنان”، متسائلاً عمّا إذا كان اللبنانيون “سيتلقفونها”.
وبمعزل عن دلالات الموقفين “المتقاربين”، وبغضّ النظر عن الخلفيّات التي استندا إليها، وربما “الأهداف المنشودة” من خلفها، تُطرَح علامات استفهام عمّا إذا كان يمكن لهذا التقاطع أن يمهّد فعلاً لـ”تسوية داخلية” قد تشكّل الأحداث الدراماتيكية والمتسارعة في المنطقة، ولبنان في صلبها، فرصة لبلوغها، بعد العجز عن ذلك في أيام “السِّلم”، ولو أنّ انطباعًا مخالفًا يسود المشهديّة، ويقول إنّ الملف الرئاسي جُمّد برمّته، وما عاد أولوية لأحد.
منطلقات “متناقضة”
لا يقنع الكلام عن “تقاطع” بين بري وباسيل في الحديث عن “فرصة” لانتخاب رئيس “الآن” كثيرين، ممّن يجزمون أنّ المنطلقات التي استند إليها كلّ من الرجلين تختلف رأسًا على عقب عن الأخرى، علمًا أنّ ثمّة سوابق للتقاطع بينهما، على مبدأ “الحوار” مثلاً، حتى إنّ باسيل كان أول “المرحّبين” بمبادرة رئيس مجلس النواب الحواريّة، قبل أن “ينقلب عليها” عندما دقّت “ساعة الجدّ”، ما يقلّل من الرهانات على تقاطعهما المستجدّ، إن جاز التعبير.
ويوضح العارفون أنّ ما انطلق منه رئيس مجلس النواب يقوم على وجوب “اقتناص اللحظة الاستثنائية” التي تمرّ بها المنطقة، من أجل تحصين الساحة الداخلية عبر انتخاب رئيس للجمهورية يكون قادرًا على مواجهة التحديات المحدقة، على دقتها وحساسيّتها المفرطة، ولا سيما في ظلّ المعارك الدائرة على الجبهة الجنوبية، فضلاً عن المخاوف المتصاعدة من انتقال كرة النار إلى الداخل، واتساع رقعتها، وهو ما يفرض “وحدة وطنية” بحدّها الأدنى.
في المقابل، فإنّ الحيثيّات التي انطلق منها رئيس “التيار الوطني الحر” تبدو مغايرة، حيث إنّ باسيل أراد دعوة “الشركاء في الوطن” إلى عدم الرهان على الصراع الدائر في المنطقة من أجل “فرض” رئيس للجمهورية في البلد، وهو حين دعا لانتخاب رئيس اليوم، أراد إجهاض فرضية “تقريش” نتائج حرب غزة، التي بدأ البعض يروّج لها لمصلحة مرشح من هنا أو هناك، ومن خلال التأكيد على وجوب “فصل” المسارين، بشكل كامل، غير قابل للنقاش.
سيناريو “مُستبعَد”
لكن، بمُعزَل عن الخلفيّات والحيثيات والأهداف وما إلى هنالك، هل يبدو سيناريو “تلقف الفرصة” الذي تحدّث عنه بري ممكنًا اليوم، ولا سيما أنّ القاصي والداني يدرك أنّ البلاد المهدّدة بالحرب في أي لحظة، ستخسر نقطة قوة، إذا خاضتها وهي منقسمة على نفسها، وبلا رأس للجمهورية؟ ولماذا لا تكون الهواجس المشروعة من انزلاق لبنان إلى الحرب فرصة للجلوس على طاولة الحوار، حيث يُطرَح ملف الرئاسة على “الأجندة” بشكل ملحّ وعاجل؟
يقول العارفون إنّ هذا السيناريو قد يبدو لكثيرين “فرصة استثنائية”، ولا سيما أنّ الصراع الدائر في المنطقة يجعل “الرهان” على الخارج منعدم الفائدة، لأنّ جميع اللاعبين يدركون أنّ استحقاق الرئاسة لا يشكّل أولوية لأيّ من الدول “الصديقة”، ولا سيما أنّ الحراك الدبلوماسي الدائر في المنطقة منصبّ الآن على محاولة وضع حدّ للحرب في غزة، ومنع اتساع رقعتها إلى دول أخرى بينها لبنان، بعيدًا عن أيّ مبادرات تسووية رئاسية.
لكنّ العارفين يشيرون إلى أنّ هذا السيناريو رغم ذلك “مُستبعَد”، فاللبنانيون عاجزون عن الاتفاق في “مرحلة الحرب” كما في “مرحلة السلم”، بل إنّ هناك من يذهب لحدّ التكهّن بأنّهم سيبقون على انقسامهم حتى في حال وقوع “الحرب”، بدليل الامتعاض الذي أبداه البعض على قول النائب السابق وليد جنبلاط إنّه سيقف مع “حزب الله” في حال وقوع الحرب، ولو كان ضدّ “الانجرار” إليها من حيث المبدأ، ما يجعل الرئاسة في آخر سلّم الأولويات، حتى في الداخل.
قد يظنّ البعض أنّ ملف الرئاسة “ليس وقته الآن”، في ظلّ الحرب الدائرة في غزة، والتوتر على الحدود اللبنانية الجنوبية. وقد ينتقد البعض حديث رئيس مجلس النواب عن “فرصة على اللبنانيين تلقفها” ربما على قاعدة “مصائب قوم عند قوم فوائد”، وقبله رئيس “التيار الوطني الحر” عن “عدم تقريش نتائج حرب غزة رئاسيًا”. لكنّ الأكيد انّ الرئاسة لا يمكن أن تكون “تفصيلاً هامشيًا” في بلد مهدَّد بـ”كرة النار” في أيّ لحظة!