بعد حوالى ثلاثة أسابيع على بدء الإشتباكات اليوميّة بين “حزب الله” والعدوّ الإسرائيليّ على حدود لبنان مع فلسطين المحتلّة، على إثر الحرب في غزة، لا يزال الوضع الأمنيّ شبه متماسك في الجنوب، والمواجهات بين “المقاومة الإسلاميّة” وإسرائيل محصورة بما يُسمى “قواعد الإشتباك” القائمة على الهجوم والإكتفاء بالردّ المحدود، لأنّ الطرفين لا يُريدان حرباً، قد تكون مكلفة جدّاً على اللبنانيين والإسرائيليين على حدٍّ سواء.
Advertisement
ولكن، بحسب مراقبين، فإنّ التطوّرات العسكريّة في جنوب لبنان مرتبطة بقرار الحكومة الإسرائيليّة باجتياح غزة برّياً أو عدمه. ففي الحالة الأولى، سيجد “حزب الله” نفسه مُشاركاً في المعارك بشكل مباشر، بإيعاز من إيران. وإنّ حصل هذا الأمر، فإنّ لا مجال بالنسبة لـ”المقاومة” سوى بتحقيق الفوز، أوّلاً، لتقويّة الحركات المناهضة لإسرائيل والولايات المتّحدة الأميركيّة في المنطقة، وتعزيز نفوذ طهران أيضاً في دول شرق المتوسط، وثانيّاً، للإبقاء على سلاح “الحزب” والتأكيد أنّه للدفاع عن سيادة لبنان، وثالثاً، التشديد على الإتيان برئيس “ممانع” هو سليمان فرنجيّة.
ويقول المراقبون إنّ “حزب الله” لا يُحبّذ حصول حربٍ مع إسرائيل، وقد تدخل أميركا بقوّة فيها، وخصوصاً وأنّها أرسلت حاملتيّ طائرات تُعتبر إحداها الأكبر في العالم، ومدمّرة إلى السواحل الإسرائيليّة، لحماية تل أبيب من خطر توسّع رقعة الحرب. والعائق الأبرز أمام “الحزب” يتمثّل بمرور لبنان بأزمة إقتصاديّة حادّة منذ العام 2019، وفتح جبهة الجنوب يُشكّل معضلة لـ”المقاومة” التي ترزح بيئتها أيضاً تحت وطأة الازمات المعيشيّة.
إذاً، هناك صعوبات يُواجهها “حزب الله” تمنعه من دخول الحرب، وتدفعه إلى التعويل على المساعي الدبلوماسيّة لحضّ إسرائيل على عدم غزو غزة برا، كيّ يبقى بعيداً عن أيّ حربٍ مباشرة مع العدوّ. في المقابل، تلقت تل أبيب جرعة دعم أميركيّة من الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركيّ جو بايدن واجتماعه بالحكومة الإسرائيليّة، إضافة إلى قدوم قادة غربيين بارزين إلى إسرائيل، وإبداء دعمهم المطلق لها ضدّ ما سمّوه بـ”إرهاب” حركة “حماس”.
ويرى العديد أنّ هذه الزيارات الداعمة لإسرائيل، قد تعني مباركة من أغلبيّة الدول الأوروبيّة وأميركا لاجتياح غزة بريّاً، ودفع الفلسطينيين إلى الحدود المصريّة، أيّ أنّ رقعة الحرب ستمتدّ إلى لبنان، وربما سوريا. وكما ذُكِرَ سابقاً، فإنّ “حزب الله” مجبرٌ على الفوز، لأنّه الجهّة الأقوى بين كافة حركات المقاومة في المنطقة، وإيران تُعوّل عليه كما “حماس” ودمشق، للمحافظة على توحيد ساحات لبنان وفلسطين وسوريا ضدّ إسرائيل.
كذلك، يرى المراقبون أنّ خروج “حزب الله” منتصراً من أيّ حربٍ مستقبليّة مع العدوّ، سيدعم قضيّة محافظته على سلاحه، ولن يقبل بتاتاً بمناقشة هذا الموضوع أو الإستراتيجيّة الدفاعيّة خلال السنوات المقبلة، وهذا أصلاً ما يصدر عن أبرز قياداته، التي تعتبر أنّ المسّ بالسلاح ممنوع وغير وارد، وقد يجرّ البلاد إلى حربٍ أهليّة.
وفي هذا السياق أيضاً، فإنّ ربح محور المقاومة في المنطقة، سيُحتّم على “حزب الله” التمسّك بخيار سليمان فرنجيّة أكثر، وسيُعزّز موقع القوى الممانعة، وخصوصاً بعد التقارب السعوديّ – الإيرانيّ، وبقاء الرئيس بشار الأسد في قيادة سوريا، وتعزيز روسيا والصين وطهران وجودهم في المنطقة على حساب أميركا، كذلك، فإنّ القضاء على نسبة كبيرة من الحركات المتطرّفة والإرهابيّة، كان بفضل إيران وحلفائها، بحسب ما تعتبر طهران و”حزب الله”.
ويُشير المراقبون إلى أنّه في العام 2006، كان العديد في الداخل يُعوّلون على هزيمة “حزب الله” وتراجع قوّته العسكريّة، لكن حصل العكس، ونجح في أنّ يُسيطر أكثر على الحياة السياسيّة، وبفرض رؤساء وحكومات. أمّا حاليّاً، فيقول المراقبون إنّ “المقاومة” أصبحت مختلفة عن قبل، وهي ازدادت قوّة بعد تجاربها في سوريا والعراق واليمن، وفي السياسة، حيث أنّها تُواجه الدول الخمس وغيرها من البلدان، والمعارضة في لبنان، وهي لن تدخل في تسويّة طالما أنّ فرنجيّة ليس من ضمنها.