أي أثر نفسي لمشاهد الحرب علينا في لبنان؟

24 أكتوبر 2023
أي أثر نفسي لمشاهد الحرب علينا في لبنان؟


مشاكل صحية عقلية خطيرةوفي إطار مواكبة أخبار الحرب، قد تتفاوت نسبة القلق بين اللبنانيين إلا أن أي جلسة بينهم تكاد لا تخلو من سؤال واحد: “في حرب أو ما في؟”. وهذا بديهي بالنسبة لوطن عانى الأمرّين من الإجرام الإسرائيلي، فجاءت صور الجثث وأشلاء الضحايا، فضلاً عن صفارات الإنذار وأوامر التوجه نحو الملاجئ وعويل النساء الثكالى والأرامل، لتعيد إلى السطح ما حاول اللبنانيون طوال عقود أن يلفظوه من ذاكرتهم. وفي إفادة صحافية سابقة لها، ذكرت منظمة الصحة العالمية أنه في حالات النزاع المسلح، “سيعاني حوالي 10% من الأشخاص الذين يتعرضون لأحداث صادمة من مشاكل صحية عقلية خطيرة، وسيتطور لدى 10% آخرين سلوكيات من شأنها أن تعيق قدرتهم على العمل بفعالية”.  وأشارت إلى أن الاكتئاب والقلق والمشاكل النفسية الجسدية مثل الأرق هي من أكثر الآثار شيوعاً، في وقت  ثلاث مجموعات هي الأكثر عرضة لعواقب سلبية على الصحة العقلية: – المدنيون داخل الوطن المستهدف – الجنود على جانبي الصراع – أولئك الذين يستهلكون الصور ومقاطع الفيديو والصوت الخاصة بالحرب من خلال تطبيقات الوسائط الاجتماعية والتلفزيون والراديو والويب. 
الشخصية تلعب دوراً كبيراًوفي الواقع، حين يشاهد الفرد المشاهد الدموية والمؤلمة، تتطور لديه مشاعر الضغط، وبالتالي تتغير آلية ووضع الدماغ والجسم، فيصبح هرمون الكورتيزول والأدرينالين ومشاعر الغضب هي المهيمنة عليه، ما يؤدي إلى خلق آليات دفاعية معينة، بحسب الإختصاصية في علم النفس العيادي والأستاذة الجامعية د. كارول سعادة. وأضافت سعادة في حديث لـ”لبنان 24″، أن بعض الأشخاص يحاولون في هذا الإطار الهرب من الأخبار المتعلقة بالحرب ومن المشاهد الصعبة جداً، بينما آخرون قد يشعرون بالذنب لعدم قدرتهم على إنهاء الظلم الواقع ولعدم قدرتهم على المساعدة في التخفيف عن المتضررين من الحرب. وشددت على أن التأثر بكل ما يحصل يختلف بحسب شخصية الإنسان وبمدى قدرته على التعاطف مع الآخرين، لافتة إلى أن كثر قد يصابون بحالات القلق والإكتئآب الشديدين، وقد تتأثر صحتهم النفسية بشكل عام فضلاً عن شعورهم باضطرابات النوم وتوقف القدرة الإنتاجية في حياتهم المهنية والإجتماعية. كما أكدت سعادة أن “الشعب اللبناني لا يعيش خوفاً ظرفياً، بل باتت مشاعر الخوف تلازمه منذ سنوات طويلة”، قائلة: “وكأن حقيبة السفر دائمة جاهزة إلا أن الوجهة غير معلومة”. من هنا، شددت على أن كل ما يحصل إقليمياً يفاقم من الحالة غير الصحية التي يعيشها الشعب اللبناني، موضحة أن المرونة النفسية لم تعد متاحة لأنها استنزفت، فبات من الصعب على المواطنين عدم التأثر بكل هذه العوامل الجديدة نسبياً. 
هل يمكن تفادي هذه المشاعر؟وأضافت سعادة: “باستطاعة الكثيرين التعبير عمّا يشعرون به من خلال العنف تجاه الآخرين، أو عبر العصبية الزائدة، بينما يلجأ آخرون للطعام أو نحو سلوكيات إدمانية كتعاطي الأدوية المهدئة”، لافنة إلى أن الشعور بالذنب قد يلازم الكثيرين إزاء أبسط الأمور كقدرتهم على تناول الطعام أو حتى التنفس بطريقة طبيعية، بينما الشعب المظلوم الذي يعيش الحرب ليس لديه هذه “الرفاهية”. كما كشفت أنه في هذا الوضع الأليم، لا يشاهد الأفراد حقيقة معينة بطريقة مشوهة معرفياً، فلا يمكن تفادي المشاعر الناجمة عن هذه الحقيقة بشكل مباشر لأن هذا الأمر سيدخلنا في حالة نكران الواقع، الأمر الذي قد يؤدي على المدى الأبعد إلى أن تظهر عواقبه بطريقة جسدية. ودعت سعادة الأفراد إلى معرفة المشاعر التي يمرّون بها وإلى تقبّلها لأنها باتت في صميم حياتهم وقد تؤثر على مجرياتها لاحقاً، ومحاولة خلق توازن ما من خلال اللجوء إلى بعض السلوكيات لتحسين صحتهم النفسية كالصلاة، التأمل والرياضة وغيرها.  لا تندمل الجروح العميقة التي تخلّفها الحروب والصراعات مهما مضت الأيام، خاصة وأننا نعيش في بيئة جيوسياسية غير سويّة. فما علينا إذاً سوى عيش كل يوم بيومه، عملاً منّا بالمبدأ الفيروزي “إيه في أمل”…