لطالما وُصف رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل بأنه يعمل بما تمليه عليه مصالحه، وانه غالبا ما يسعى إلى التقاط الفرص أو استغلال ظروف معينة سياسية أو اقتصادية أو حتى أمنية لتمرير رسائل من هنا وهناك إلى بعض سياسيي لبنان وبعض الدول المؤثرة في هذا البلد.
دأب باسيل على هذه السياسة منذ سنوات طوال، لكنها تظهرت كثيرا في خلال ولاية الرئيس العماد ميشال عون وبعد انتهاء ولايته. لكن الواقع يؤكد أن باسيل خسر كثيرا منذ تشرين الثاني2022 على مستوى الداخل، لا سيما في ما خص علاقته مع مختلف القوى السياسية التي يشوبها التوتر، نظرا إلى عدم ثقة معظم المكونات الحزبية والسياسية على رأسها حزب الله الذي كاد في الأشهر الأخيرة أن يخرج عن طوره ويسمي الأمور بأسمائها، إلا أنه ارتأى التعاطي بهدوء مع استفزازات رئيس “التيار” من دون أن يغفل أن الخلاف بينهما كبير جدا، علما أن باسيل عاد وتحرك سريعا تجاه حزب الله حيث بدأت الاجتماعات بين التيار والحزب الا انها سرعان ما توقفت بعد عملية “طوفان الاقصى” والقصف الإسرائيلي لجنوب لبنان، فالحزب اليوم منشغل بالجبهة الجنوبية وبتشييع شهدائه على ان يعاد تفعيل الحوار واستئناف الاجتماعات في وقت لاحق.في هذا الوقت، ومن دون سابق إنذار، قرر باسيل القيام بجولة تشاورية على القيادات السياسية في البلاد عنوانها حماية لبنان والوحدة الوطنية، وذلك بسسب المخاطر والتحديات التي يواجهها لبنان، خصوصًا بعد العدوان الاسرائيلي والاحداث في غزّة واندلاع الاشتباكات على الحدود الجنوبية للبنان، بحسب البيان الذي وزعه مكتبه الاعلامي.لم يتوقف أحد من السياسيين عند نتائج الجولة التي قام بها باسيل وشملت عين التينة والسراي وكلمينصو وبنشعي (يزورها اليوم)، ولم تحمل أكثر مما تحتمل، فحتى الاتصال بالامين العام لحزب الله السيد حسن نصر والذي حصل عبر خط آمن، لم يتم التوقف عنده سياسيا بقدر ما ترك ارتياحا عند اللبنانيين لجهة الاطمئنان إلى “السيد” الذي يريد محبوه أن يطل بالصوت والصورة.وما خلا تكريس باسيل رئيس تيار المرده زعيما مارونيا وتسليمه بحيثية بيك بنشعي، فلا شيء يبنى عليه في جولاته التي تؤكد مصادر مطلعة على مضمونها، أنها تصب في خانة الاستفادة من الظروف الراهنة وتحصيل بعض المكاسب، لكن الأكيد أن نائب البترون فشل في تحقيق أي تقدم على صعيد الملف الرئاسي سواء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، في حين انه ابدى تفهما لموقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط من ملف رئاسة الأركان. اما في ما خص الرئيس نجيب ميقاتي، فإن رئيس “التيار الوطني الحر” ورغم منع وزرائه من المشاركة في جلسات مجلس الوزراء والحملة المنظمة التي يشنها عليه، الا أنه كرس شرعيته كرئيس للحكومة.بالنسبة الى المصادر نفسها، فإن الجولة هي جولة لزوم ما لا يلزم، ومقولة “أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي” لا تصح مع باسيل الذي علم أنه تلقى من السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي زارت العماد ميشال عون في الرابية نصيحة بالمبادرة والتسليم بالتمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون وعدم الوقوف في صف المعارض، خاصة وأن ذلك سيحصل مهما علا صوت الرفض العوني.ما تقدم يؤشر إلى أن نصيحة شيا أخدها باسيل على محمل الجد حيث أنه أبدى مرونة خلال بحثه مع المسؤولين الذين التقاهم ملف المؤسسة العسكرية، سواء ما يتعلق بتأجيل تسريح قائد الجيش العماد جوزف عون أو بإكمال المجلس العسكري وتعيين رئيس جديد للأركان تحت عنوان مواجهة مخاطر اندلاع الحرب مع إسرائيل، نظراً إلى دقة المرحلة وخطورتها.وعليه، فإن جولة باسيل يمكن اختصارها بما أكده الاخير بعد لقائه جنبلاط، لجهة ان الظرف اليوم يحتم علينا العمل اكثر على تفاهم وطني يحفظ الوحدة الوطنية ويؤدي الى اعادة تكوين السلطة بانتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة”، أما الباقي فيبقى تفصيلا رغم أهميته القصوى في إشارة إلى الى ملف النزوح السوري الذي لن تتم معالجته إلا بقرار دولي. أما في ما خص الوضع في الجنوب فباسيل يؤكد “أننا لا نريد الحرب، ونرفض استخدام لبنان ساحة الصراع، لكنه يستطرد بالقول إنه يجب بلورة موقف موحد يعطي لبنان حق الدفاع عن نفسه إذا تعرض لعدوان”.