سنةٌ على الفراغ… المسؤولية جماعية؟

30 أكتوبر 2023
سنةٌ على الفراغ… المسؤولية جماعية؟


ربّ قائل إن مَن شرب بحر سنتين ونصف السنة من الفراغ الرئاسي في العام 2014، لن يغصّ إن شرب ساقية العام 2022. بهذا المنطق يتعاطى معطّلو الانتخابات الرئاسية، وكلٌ على قدر ما يؤتى من إمكانات وأدوات تعطيلية. وفي هذا تكمن المشكلة الأكبر. وقد تكون هذه المشكلة أكبر من أزمة دستورية بات مفروضًا على اللبنانيين أن يعتادوا على “مهزلة” تكرارها مرّة كل ست سنوات.  

 
 
 بهذا المنطق يتعاطى جميع من في يدهم مفتاح التعطيل. ويجرؤون على القول لمن يراجعهم من بعثات ديبلوماسية مهتمّة بالوضع الرئاسي أكثر بكثير من هؤلاء المعطّلين، سلبًا أو إيجابًا: “ليك بشو بالكن. منكن عايشين بهالبلد. مش عم تشوفو شو عم بيصير بغزة وبالجنوب”. ويستفيضون في معلقات العلك السياسي ليقولوا “إن هناك أشياء مهمة، ولكن هناك أشياء أكثر أهمية. فالأولوية اليوم هو للأهم، على أن يأتي دور المهم في وقت لاحق”.  ما سنقوله اليوم، وفي الذكرى الأولى لتغييب دور رئاسة الجمهورية، لن يعجب كثيرين حتى أولئك الذين يعتبرون أنفسهم غير مسؤولين عن بقاء لبنان من دون رأس لسنة أو لسنتين، وربما لأكثر من ذلك بكثير. 
 
المسؤولية عن هذا الفراغ، الذي يوازي بخطورته ما يتعرّض له لبنان من تهديدات يومية يطلقها ويمارسها العدو الإسرائيلي، يتحمّلها الجميع، “ممانعة” ومعارضة”.ف”الممانعون” يعطّلون بالمباشر الجلسات الانتخابية بلجوئهم إلى “تطيير” النصاب، ولكن “المعارضين” يتحمّلون جزءًا من هذه المسؤولية، ولو بقدر أقّل نسبيًا، وذلك عن طريق إصرارهم على ترشيح مَن لا يستطيع أن تُجمع عليه كل المكونات السياسية، في المشهد “الموزاييكي” للتركيبة اللبنانية الهجينة. وهذا الأمر ينطبق أيضًا على قوى “الممانعة”، التي ترفض أن يأتي رئيس للجمهورية لا يحمي ظهر المقاومة. 
 
هي معادلة التعادل السلبي، والتي ظهرت في الجلسات الاثنتي عشرة، والتي أثبتت أن اللبنانيين غير قادرين على التوافق حتى على كيفية إنقاذ بلادهم، وذلك بالتوازي مع مساعٍ عربية ودولية قامت بها “المجموعة الخماسية” لم تصل إلى بلورة مشروع حلّ للأزمة الرئاسية، وتركت “أهل مكة”، وهم الأدرى بشعابها، يقّلعون شوكهم بأيديهم. صحيح أن هذا الكلام ليس وقته، ولكن نقول لأصحاب نظرية “الأهمّ والمهمّ”، ألا يعتقدون أن قدرة لبنان على المواجهة برئيس، أيًّا يكن هذا الرئيس، كانت أقوى وأفعل لمواجهة ما يتهدّده من أخطار داهمة على حدوده الجنوبية بالدرجة الأولى، ومن ثمّ على حدوده الشمالية والشرقية، وهل لبنان المقطوع الرأس يستطيع أن يواجه لوحده أفضل مما لو كان على رأس الجمهورية رئيس توحيدي، أقّله على صعيد توحيد سبل المواجهة، التي تتطلب في الظرف الراهن توحيد الرؤى بالنسبة إلى ضرورة ابعاده عن حرب، يجمع المحللون على أنها ستكون مدّمرة، وأن الدولة الضعيفة بإمكاناتها المتواضعة لن تستطيع أن تعيد بناء ما قد يتهدّم، وهي التي بدت عاجزة عن انقاذ من قضوا تحت مبنى المنصورية فكيف لها أن تتعامل مع الدمار المتوقع نتيجة الحرب، التي قد تّشن على كافة أرضيها، والتي ستستهدف، على حسب ما يُقال، البنى التحتية والمرافئ، ومطار بيروت، والجسور، والطرقات؟ 
 
لا نقول جديدًا إن قلنا إن دولتنا ضعيفة بوحدتها وبإمكاناتها وقدراتها الذاتية، وهي التي بالكاد تستطيع أن تتنفس في الحالات الطبيعية فكيف إذا كانت هذه الحالات غير طبيعية. والمسؤولية بأن دولتنا ضعيفة هي أيضًا مسؤولية جماعية، إذ لم نستطع أن نبني مؤسسات ثابتة وراسخة، ولم نستطع بالتالي أن نؤّمن لها ما يكفي من أمصال حتى تتعافى بعد الحرب العبثية التي عصفت بها. بل كان كل واحد منّا يحاول أن يصنع “دولة” على قياسه، فكانت هذه الدويلات أقوى من الدولة الأمّ. فانتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد هو أهمّ من المهمّ. ونكاد نقول إن من أراد أن يكون الفراغ الرئاسي مقدمة لفراغ أوسع وأشمل هو من يدفع اليوم في اتجاه حرب طويلة لا تُبقي من فيها حيًّا، ولا تذر من سيموت. فالخسارة واقعة أيًّا تكن النتائج، وإن بدا أن شبح الحرب الكبرى على لبنان بدأ ينحسر تدريجيًا، مع العلم أن مناوشات الجنوب بدأت تأخذ أبعادًا جديدة، ولكنها تبقى محصورة في جغرافيا محدّدة.