باريس تتعثر في حماية لبنان سياسيا وعسكريا.. فهل خسرت محاوريها الفاعلين؟

31 أكتوبر 2023
باريس تتعثر في حماية لبنان سياسيا وعسكريا.. فهل خسرت محاوريها الفاعلين؟

لم تتردد فرنسا في تأكيد دعمها غير المشروط لإسرائيل بذريعة حق كيان العدو في الدفاع عن نفسه. وفاجأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دولا وقوى غربية وعربية باقتراح حشد تحالف دولي ضد حركة حماس، على غرار التحالف ضد “داعش، علما أنه من المستبعد أن يحشد ماكرون تأييدا عربيا لطرحه فضلا عن رفض دول أوروبية عديدة الانضمام الى مشاريع لا طائل منها.

 
 الأكيد أن عملية 7 تشرين الأول في الاراضي المحتلة خلقت صدمة عالمية على كافة المستويات الداخلية و السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية، كما يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس عيسى الأيوبي”فما قبل 7 تشرين الاول لا يشبه ما بعده إلا عند المصابين بداء الإنكار النفسي والذهني”.لا يمكن تعداد التغييرات والتمظهرات التي أحدثتها العملية، بحسب ما يؤكد الايوبي ل”لبنان24″ فهي تغييرات تتوالد يوما بعد يوم وتسقى من دماء أطفال غزة. فعلى الصعيد الفرنسي خصوصا أظهرت العملية هزال البنية السياسية والثقافية الفرنسية التي طالما تغنى بها الفرنسيون واعتبروها بصمة وهوية دولتهم، وتظهرت مدى تبعيتهم للولايات المتحدة الأميركية وهو ما حاول الرئيس الراحل جاك شيراك التحرر منه على خطى الجنرال ديغول، يقول الأيوبي.
 
وبدا واضحا أن السلطة في فرنسا وحتى الدولة العميقة فيها مفككة وعاجزة عن اتخاذ قرار أو موقف واضح،فلجأت إلى إصدار مواقف متعددة ضمن الحكومة، ضارية عرض الحائط ما يسمى المبادىء المؤسسة لفرنسا ومبادىء السياسة الخارجية الفرنسية،حتى أن مبدأ الديمقراطية وحرية التعبير تم نقضه بشكل فاضح وعاد سوط الصهيونية ينكل بالشارع الفرنسي ومثقفيه في أول أيام الصدمة، ليعود الشارع الفرنسي بمثقفيه وباحثيه لينتفض محاولا إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ماء وجه وطن الثورة وحقوق الانسان…
 
إن فرنسا اليوم، وكما يؤكد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، في وضع لا تحسد عليه. الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وحكومته وحزبه في أدنى درجات استطلاعات الرأي العام، من وجهة نظر الايوبي، فقد خسروا الشارع ولم يربحوا الحركة الصهيونية أو الولايات المتحدة وخسروا ايضا العالم الثالث وأفريقيا، والخطر داهم على الاقتصاد الفرنسي، فليس من شريك لهذا البلد الذي كان مزدهرا و لا احد يعرف الان كيف يمكن ترميم هذا الوضع، من هنا يبدو أن انتهاء الرئيس ماكرون لن ينقذ فرنسا أو يوقف تدحرجها، ففي باريس يتم البحث والنقاش اليوم عما يعيد الاعتبار لدور فرنسا وموقعها، وإن كان ذلك يتطلب وقتا وجهدا لكنه سوف يؤدي، وفق الأيوبي، إلى إعادة صياغة للخارطة السياسية- الاقتصادية- الثقافية للدولة والمجتمع الفرنسيين.من يراقب النقاشات العلنية في الاعلام الفرنسي المرئي والمسموع والمكتوب يدرك، بحسب الأيوبي، عمق الأزمة التي أحدثتها عملية “طوفان الأقصى” ويلحظ هزيمة الفكر الإسرائيلي الذي طغى نحو 100 عام في فرنسا وأوروبا في ما يمكن تسميته بسقوط الامبراطوربة الصهيونية وإنكفائها.وعليه، فإن البحث في التغييرات الجسو’سياسية و الجيو-استراتيجية عميقة جدا، ويتطلب، بحسب الأيوبي، بداية نقاش متخصص ببن المعنيين في العالم على نمط قمة يالطا التي أعادت توزيع العالم بعد الحرب العالمية الثانية لكن على مستوى الشعوب لا مستوى الحكام.أما في التفاصيل اللبنانية المرتبطة بنتائج الحدث وتفاعلاته على الساحة اللبنانية، فإن التمظهرات الأولى تظهر الانكشاف الفاضح للفيسيفساء السياسية اللبنانية العاجزة عن انتخاب رئيس وتشكيل وحدة بنيوية فاعلة، كما تظهر أن المراهنة على أحصنة فرنسا من قبل بعض القوى وعلى الإدارة الأميركية من قبل البعض الآخر لن تحقق لهؤلاء ما يصبون إليه، فالعالم اليوم يتحرك ضمن معادلات جديدة، ويبدو أن دور لبنان الجديد سيخلق واقعا مختلفا وجوازات مختلفة.
 
وعليه فإن الوساطة الفرنسية في الشأن اللبناني، توقفت راهنا. وينكر المسؤولون الفرنسيون، بحسب الأيوبي، القيام بأي وساطة لتحييد لبنان عن أي حرب اسرائيلية و كل ما فعلته وزيرة الخارجية كاترين كولونا هو طرح وجهة نظرها المتشائمة والتي تدعو إلى تحييد حزب الله وعم إعطاء العدوان الإسرائيلي مبررات، بعدما لمست باريس أن تل أبيب سترد بقسوة، وأنها ستكون عاجزة عن ردع العدوان وحماية لبنان سياسيا أو وعسكريا .وترى أوساط فرنسية أن باريس قد خسرت معظم محاوريها الفاعلين في لبنان فتصريحات ماكرون، وفق الأيوبي، خلقت هوة كبيرة بينهم و بين باريس. وهنا ينقل الأيوبي عن مصدر فرنسي قريب من الملف الرئاسي، قوله إن صيغة الحل للأزمة الرئاسية التي طرحت في الأشهر الماضية قد وضعت في سلة المهملات،كل شيء عاد إلى نقطة الصفر، بانتظار ما ستسفر عنه نتائج حرب غزة و تبعاتها سياسيا و اقتصاديا.ما قد يصيب لبنان سينسحب أيضا، بحسب الأيوبي، على كافة دول المشرق العربي، فثمة مراكز قوى جديدة ستكون سباقة في إعادة صياغة الدور وعمل الإدارات والمؤسسات اقتصاديا وسياسيا.
 
وإذا كان التغيير السياسي في معظم الدول الكبرى بات أمرا محتوما لتأمين مصالحها الاستراتيجية، فإن التغيير سيطال أيضا الدول المعنية بالمسألة الفلسطينية لسبب أو لآخر لتتماشى مع الوضع العالمي الذي ستفرضه التحولات الكبرى في العالم.ووسط ما تقدم يطرح الايوبي أسئلة، وهي: هل الأنتليجنسيا العربية موجودة حقا لصياغة مشروع مستقبلي يرضي الجميع؟ وإذا كانت موجودة أفرادا وأحزابا وجمعيات و تجمعات منظمة هل بدأت أو هل تحمل مشروعا للنقاش الجامع، كما بدأ في أوروبا والولايات المتحدة رغم القمع الإرهابي الذي تمارسه السلطات في هذه الدول؟ كل هذه الأسئلة يرى الأيوبي أن الإجابة عليها سوف تنتظر مآل الأمور بعد أن يتبلور المشهد الجديد الذي سينتج عن عملية “طوفان الأقصى”.