في زمن الحروب.. تصفية حسابات بين التيار والقوات!

3 نوفمبر 2023
في زمن الحروب.. تصفية حسابات بين التيار والقوات!


منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مع كلّ ما ينطوي عليه من مجازر لا تنتهي، وانتهاكات يندى لها الجبين، وما خلّفه من توتّر حدوديّ جنوبي لبنان، في ظلّ اعتداءات إسرائيلية متمادية على السيادة الوطنية، يشعر الكثير من اللبنانيين أنّ “استحقاقات” ما قبل السابع من تشرين الأول لم تعد تحتلّ “الأولوية”، وأنّ الوضع على الأرض “يتجاوز” الحسابات السياسية الداخلية “الضيّقة”، إن جاز التعبير.

Advertisement

 
ومع أنّ بعض الأصوات تعالت لضرورة استغلال الظرف من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، من باب “تحصين” الساحة الداخلية في مواجهة كل السيناريوهات، بما فيها “احتمال” انتقال رقعة الصراع إلى الداخل اللبناني، فإنّ ملف الرئاسة نفسه “هُمّش” على وقع “السخونة” في المنطقة، ليغيب معه الحديث عن المبادرات والوساطات العربية والدولية، وكذلك الحراك المحلّي، الذي بقي في “حدوده الدنيا”، إن وُجِد لها أثر أصلاً.
 
لكن، يبدو أنّ هناك من وجد أنّ المرحلة الحاليّة، على دقّتها وحساسيّتها، تتحمّل العودة لزمن “السجالات والمناكفات”، بدليل “التراشق الكلامي” الذي سُجّل بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، على خلفيّة الموقف من التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي يرفضه الأول بالمُطلَق، ولأسباب “مبدئية” كما يقول، فيما يعتبره الثاني من “الضرورات الملحّة” التي تتناغم مع “صعوبة” المرحلة، وما تفترضه من “تحصين”.
 
“التيار” يهاجم “القوات” 
في البيان الذي أصدرته بعد اجتماعها الدوري، والذي دعت فيه إلى “الاستعداد لمواجهة كل الاحتمالات في ضوء المسار الإسرائيلي بتصعيد أعمال العنف”، وجدت الهيئة السياسية في “التيار الوطني الحر” متّسعًا من الحبر للتصويب على “القوات اللبنانية” ولو من دون تسميتها، حيث اتهمتها بالخروج عن مبادئها عبر تقديم اقتراح قانون “للتمديد لشخص”، وكسر مبدأ رفض “تشريع الضرورة”، بسبب “النكايات السياسية والمصالح الخاصة”.
 
وفي حين دعا “التيار” إلى الحكم على أداء هذا الفريق، وما وصفه بـ”تقلّباته”، فإنّ محسوبين عليه يرسمون الكثير من علامات الاستفهام حول خلفيّات ما يعتبرونه “تسرّعًا” من جانب “القوات” في تقديم اقتراح قانون للتمديد لقائد الجيش، في حين أنّ أكثر من شهرين لا يزالان يفصلان عن انتهاء ولايته، ولا سيما أنّ هذه الخطوة ضربت مبادئ “القوات” بعرض الحائط، وهي التي ترفض أساسًا فكرة “تشريع الضرورة” مهما كان السبب.
 
بالنسبة إلى المحسوبين على “التيار”، فإنّ لا تفسير لأداء “القوات” سوى أنّها أرادت اتخاذ هذه الخطوة “نكاية بباسيل”، وليس لأيّ سبب آخر، إلا أنّ السحر سينقلب على الساحر، لأنّه سيُظهِر أنّ رئيس “التيار” هو الذي انسجم مع المبادئ والشعارات التي يرفعها، بعكس “القوات”، خصوصًا أنّ كل ما يطلبه باسيل هو مقاربة ملف قيادة الجيش كغيره من المراكز التي شغرت أو ستشغر، وهو الذي رفض التمديد حين كان في مصلحة “التيار”.
 
“النكايات” تحكم أداء باسيل؟! 
في مقابل موقف “التيار” من اقتراح القانون الذي تقدّمت به كتلة “الجمهورية القوية”، ثمّة رواية أخرى يروّج لها المدافعون عن موقف “القوات اللبنانية”، الذين يعتبرون أنّ “النكايات السياسية” هي التي تحكم أداء باسيل وليس العكس، بدليل أنّ ما وُصِفت بـ”المبادرة” التي أطلقها الأسبوع الماضي، وجال بها على الفرقاء بعناوين ذات طابع “وطني”، تبيّن أنّ الهدف الحقيقي منها لم يكن سوى “منع التمديد لقائد الجيش”، وفق توصيف هؤلاء.
 
ويشير المؤيدون لمنطق “القوات” إلى أنّ المساعي للتمديد لقائد الجيش في مثل الظروف الاستثنائية والدقيقة التي تعيشها المنطقة، ولبنان في صلبها، لا يمكن أن تصنَّف على أنّها كسر للمبدأ من “تشريع الضرورة”، أو “خروج عن المبادئ”، بل هي “واجب وطني” تفاديًا لتشريع البلاد أمام “المجهول” بأتمّ معنى الكلمة، خصوصًا في ظلّ “المزايدات” التي تلجأ إليها بعض القوى السياسية عبر “قرع طبول الحرب” بلا حَرَج.
 
وفيما ينفي هؤلاء أن يكون اقتراح القانون الذي تقدّمت به كتلة “الجمهورية القوية” جاء في سياق “تصفية الحسابات” بين “التيار” و”القوات”، يشدّدون على أنّ المصلحة الوطنية تفترض “تحصين” المؤسسة العسكرية في مواجهة التحديات، ملمّحين إلى أنّ باسيل هو الذي يغلّب “المصالح الخاصة” على هذه المصلحة، حين يصرّ على وجوب “تسريح” قائد الجيش، اعتقادًا منه بأنّ خروجه من المشهد يطيح عمليًا بحظوظه “الرئاسية”.
 
بالنسبة لكثيرين، يبدو سجال “التيار” و”القوات” في هذه المرحلة “خارج الموضوع” بكلّ ما للكلمة من معنى، بل لعلّه يبدو في جانبٍ من جوانبه “مُخجِلاً ومُحرِجًا” للبنانيين قبل غيرهم، العاجزين عن وضع خلافاتهم وانقساماتهم جانبًا، ولو بعض الوقت، بانتظار أن تضع الحرب أوزارها بالحدّ الأدنى. لكنّ الثابت أنّ “النكايات السياسية والمصالح الخاصة” التي يشكو منها الطرفان، تبقى “العنوان الأولى”، حتى في زمن “الحروب”!