التمديد لقائد الجيش.. تباين في مواقف الكتل والحسم مؤجَّل!

5 نوفمبر 2023
التمديد لقائد الجيش.. تباين في مواقف الكتل والحسم مؤجَّل!


 
على وقع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وانعكاساته على الساحة اللبنانية، من بوابة التوتر الحدودي جنوبًا، نجح ملف التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون في حجز موقع متقدّم له في صدارة الاهتمامات، خصوصًا بعد إعلان كتلة “الجمهورية القوية” صراحةً عن إعداد مشروع قانون يتيح تأجيل تسريح الرجل لعام آخر، الأمر الذي أثار امتعاض “التيار الوطني الحر”، الرافض للفكرة بالمُطلَق كما أصبح واضحًا.

 
لكن، بعيدًا عن موقفي “التيار” و”القوات” اللذين اختارا تموضعهما في هذا الملف، على الجانب “النقيض” للآخر، تمامًا كما في معظم الاستحقاقات السياسية والدستورية، يبدو أنّ مواقف باقي الكتل النيابية لا تزال غير واضحة، أو بالحدّ الأدنى تخضع للأخذ والردّ، بانتظار نضوج المعطيات والظروف الموضوعيّة، علمًا أنّ بينها من يعتبر أنّ طرح الموضوع اليوم سابقٌ لأوانه، وخارج عن السياق، في ظلّ الانشغال بحرب غزة وتبعاتها على لبنان.
 
وإذا كان هناك من يدعو انطلاقًا ممّا تقدّم، إلى “التريّث” في حسم الموقف، ولا سيّما أنّ أكثر من شهرين يفصلان عن انتهاء ولاية قائد الجيش، تتفاوت آراء القوى الأخرى بين “متحفّظ” على قيادة “القوات” تحديدًا للمبادرة، وهي التي ترفض جهارًا مبدأ “تشريع الضرورة”، ومتمسّك في المقابل بمبدأ رفض التشريع في ظلّ الفراغ الرئاسي، مهما كان السبب، وبينهما من يدعو إلى الوقوف على خاطر “التيار” وعدم “استفزازه” بقرار من هذا النوع.
 
المعارضة “غير موحّدة” 
صحيح أنّ “القوات اللبنانية” أعلنت موقفها من التمديد لقائد الجيش بكل وضوح، مستندة في ذلك إلى أنّ الظروف الاستثنائية التي يعيشها البلد، على وقع قرع بعض الأطراف لطبول الحرب، لا تسمح بأيّ “مغامرة” بالوضع الأمني، من خلال أيّ “شغور” على رأس المؤسسة العسكرية، ولا سيما أنّ تعيين قائد جديد للجيش غير مُتاح في الوقت الحالي، وقبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، الأمر الذي يبدو بدوره غير ممكن في ظلّ الظروف الموضوعية.
 
إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّ موقف “القوات” هذا ليس جامعًا لكلّ قوى وأحزاب المعارضة، بحسب المؤشرات والمعطيات المتوافرة، فالمعارضة “غير موحّدة” أقلّه حتى الآن في مقاربة هذا الاستحقاق، حتى لو كانت أغلب مكوّناتها تميل لتأييد التمديد لقائد الجيش “من حيث المبدأ”، علمًا أنّ في صفوف هذه القوى من يعتبر أنّ “القوات” تسرّعت بموقفها، الذي كان يفترض أن تنسّقه مع سائر مكوّنات المعارضة، حتى يخرج بالشكل المطلوب.
 
ولعلّ ما قاله رئيس حزب “الكتائب” سامي الجميل في مقابلته التلفزيونية الأخيرة يكرّس هذا التباين في صفوف المعارضة، فهو أوحى بأنّ حزبه لن يشارك في أيّ جلسة تشريعية تحت عنوان التمديد لقائد الجيش، وهو الموقف الذي يعبّر عنه العديد من المعارضين الذين يعتبرون أن مثل هذا التمديد لا يجب أن يمرّ من خلال مجلس النواب، انسجامًا مع الموقف المبدئي المُعلَن من جانبهم حول “تشريع الضرورة”، والذي لم يكسروه في ملفات معيشية ملحّة.
 
تريّث وتأجيل 
بعيدًا عن قوى المعارضة، ثمّة تباين في وجهات النظر لدى أطراف وقوى أخرى، حتى من الداعين إلى “التريّث” في حسم الموقف، فـ”الحزب التقدمي الاشتراكي” مثلاً وفق ما يقول المحسوبون عليه، لا يعارض التمديد لقائد الجيش، ولكنّهم يضعون “أولوية” قبل ذلك، تكمن في تعيين رئيس للأركان، باعتبار أنّ الشغور في هذا المركز لا يقلّ شأنًا عن القيادة، ويعتبرون أنّ التمديد يصبح ممكنًا فقط في حال عدم الاتفاق على تعيين قائد جديد للمؤسسة العسكرية.
 
في المقابل، يدفع “الثنائي الشيعي” نحو التريّث في حسم الموقف، وهو ما فُهِم مثلاً من التصريحات المنسوبة لرئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يقول العارفون إنّه قد لا يكون معارضًا للتمديد بالمطلق، وهو الذي يعتبر أيّ شغور في المؤسسات الأمنية “خطًا أحمر” لا يجوز تجاوزه، ولكنّ مشكلته هو تحديدًا مع “القوات” التي تريد مصادرة صلاحيّاته، وتحديد المسموح والممنوع، بل ترغب بوضع “أجندة” الجلسات بالنيابة عنه.
 
أما “حزب الله” المنشغل هذه الأيام بالمعارك التي يخوضها على الحدود الجنوبية في مواجهة العدو الإسرائيلي، فهو الآخر يبدو ميّالاً للتريّث، هو الذي يريد “تحصين” الساحة الداخلية في مواجهة كل السيناريوهات الممكنة، ويقول العارفون إنّه يرفض “استفزاز” رئيس “التيار الوطني الحر” بأيّ موقف في هذه المرحلة، التي تتطلب برأيه “تضافر الجهود”، وهو يثني على المواقف التي يدلي بها باسيل، والتي تندرج في خانة توطيد العلاقات الداخلية.
 
باختصار، يبدو “حسم” مسألة التمديد لقائد الجيش مؤجّلاً للكثير من الأسباب والاعتبارات، منها أنّ “أوان” هذا الاستحقاق لم يَحِن بالمعنى الحرفيّ، طالما أنّ اللبنانيين اعتادوا على عدم “حسم” استحقاقاتهم إلا في ربع الساعة الأخير، كما أنّ سيناريو “الحرب” المتحكّم بقواعد اللعبة، ولو بقي مُستبعَدًا، يتطلّب مقاربات من نوع آخر تغلّب المصلحة الوطنية على كل ما عداها، مع الابتعاد في الوقت نفسه عن كلّ أشكال التحدّي والاستفزاز لأيّ طرف.