4 نقاطٍ أساسيّة في خطاب نصرالله.. ما الجديد الذي كشفه؟

5 نوفمبر 2023
4 نقاطٍ أساسيّة في خطاب نصرالله.. ما الجديد الذي كشفه؟


كلامُ الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله كان متوقعاً تماماً ولم يحمِل أيّ جديد على الصعيد العسكريّ بشأن جبهة لبنان. مثلَ كل الإطلالات السابقة، أطلق نصرالله التهديدات بإتجاه إسرائيل، والمسألةُ هذه معروفة. كذلك، كانت المفاجآت غير حاضرة في الخطاب رغم أهميته، فيما الأمر الأهم هو أن أمين عام الحزب ربطَ مسألة حصول حربٍ بأمرين: الأول وهو إستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وتمادِي إسرائيل بإستهدافها للأراضي اللبنانية. في هاتين الحالتين، أكد نصرالله أن كافة الأمور مفتوحة وفي أي توقيت، والمسار الميداني هو الذي سيحكُم آفاق المعركة. 

وبشكلٍ بديهي، ما يُمكن قوله هو إنَّ مسار التطورات في غزة هو الذي سيُحدّد ما سيجري في لبنان. المُعادلة هنا بسيطة، وهي أنه طالما الحرب مستمرة في الداخل الفلسطيني طالما أن جبهة جنوب لبنان ستبقى تحت التوتر ضمن الأطر المحدودة والمستمرة منذ 29 يوماً. كذلك، يبدو أن “حزب الله” لن يُبادر بنفسهِ إلى فتح المعركة، كما أنّ الإسرائيليين، وبحسب أجواء المسؤولين هناك، لن يُقدموا على إعلان الحرب، وبالتالي الإكتفاء بالتهديدات المضادة لتهديدات نصرالله. وعليه، فإنّ أمرَ تفجير جبهة لبنان أكثر من الوضع الحاليّ ليس وارداً، ما يعني أنّ الإسرائيليين والحزب ينتظران بعضهما البعض عند “خط التماس”، ومن يخرق الخطوط الحمراء أولاً سيكونُ بمثابة المُعتدي.  النقطة الأكثر بروزاً هنا هي أنّ نصرالله لم يربط تدخل “حزب الله” بالمعركة بمسألة “الهجوم البري” الإسرائيليّ على غزة، وبالتالي فإن الفرضية الخاصة بهذا الإطار انتفت تماماً وباتت الأمورُ في مكانٍ آخر. 
ما الجديد الذي قدّمه نصرالله في خطابه؟ 
الإجابةُ على هذا السؤال تتلخص في 4 أمورٍ أساسية كشفها نصرالله وهي: عدم وجود أي معرفة إيرانيّة مُسبقة بعملية “طوفان الأقصى” التي شنتها حركة “حماس” ضدّ إسرائيل في 7 تشرين الأول الماضي – عدم دراية محور المقاومة بالعملية الفلسطينية – اعتبار لبنان “جبهة مُساندة” لفلسطين – تحويل المواجهة إلى الأميركيين مُباشرة. 
في ما خصّ النقطة الأولى، يُعتبر فحواها مهمّ جداً، فتأكيد نصرالله عدم مسؤولية إيران عن العملية التي حصلت يُبرئ الأخيرة من نية إشعال حربٍ في المنطقة، وبالتالي الحفاظ على المعادلات القائمة في الوقت الرّاهن. كذلك، يتبين من خلال كلام أمين عام الحزب أنّ الإيرانيين لا يريدون فتح جبهة ضد إسرائيل، لكنهم ساندوا “حماس” ودعموها لأن هذا الأمرَ مفروضٌ عليهم في العلن، إلا أنه في الخفاء فقد تكون الأمور مُختلفة نوعاً ما، والدليل على ذلك هو عدم تنفيذ الإيرانيين أيّاً من تهديداتهم بإشعال حرب شاملة ضدّ إسرائيل عبر جبهات عديدة على قاعدة “وحدة الساحات”.  
في الواقع، فإن إيران قد لا ترى أنَّ التوقيت مناسب لمواجهة إسرائيل الآن، فمصالحها الإيجابيةّ مع الأميركيين حالياً تطغى على كلّ شيء، وبالتالي من الممكن ألا تكون إيران راضية عن إقحامها في معركة لا تريدها باعتبار أن هناك أولويات أخرى تهمّها مع الأميركيين على الصعيد السياسي والإقتصادي.  
كذلك، ركّز نصرالله على أن إيران لا تمارس أيَّ وصاية على قرارات قادة محور المُقاومة، وقد تكون الرسالة هنا على صعيدين: الأول وهو القول إنَّ إيران لا تتدخل بقرارات “حزب الله”، وبالتالي التأكيد على أنّ الأخير هو الذي يُحدّد ما يفعله في جنوب لبنان. أما الصعيد الثاني للرسالة فيرتبطُ بتدليل نصرالله على أن كل التحركات التي تقوم بها جبهات محور المقاومة تأتي بناءً لردّة فعل ضد إسرائيل وليسَ إنطلاقاً من قرار إيراني بذلك.  
شرحُ النقطة المذكورة أعلاه يقودنا للوقوف عند النقطة الثانية والمتمثلة بعدم دراية محور المقاومة بعملية “طوفان الأقصى”. الأمرُ هذا يرفع الإحراج قليلاً عن “حزب الله” لإظهار أنه لم يُكن شريكاً في المعركة قبل تنفيذها. لو حصل عكس ذلك، لكان الحزبُ بات متورطاً في فتح الحرب، ولكانت الأمور بمثابة معركة شاملة بدأت من غزة وستصلُ إلى لبنان في اليوم الأول. عملياً، فإنّ السرية التي أحيطت بـ”طوفان الأقصى” خدمت لبنان قليلاً، وسيناريو عدم معرفة “حزب الله” جنّب الأخير الإنغماس في حربٍ لم يكُن مستعداً لها بشكلٍ كبير، والدليل على ذلك هو ما قالهُ نصرالله إن الحزب انتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى بسرعة يوم 8 تشرين الأول عقب بدء العملية في اليوم السابق، أي في 7 تشرين. الأمر الأهم هو أنّ عدم وجود أي معلومات لدى “حزب الله” عن معركة قائمة يصبّ في مصلحته، لأنه في حال كان هذا الأمر قائماً، عندها كان الحزب سيواجه جبهة داخلية مضادة له تتهمهُ بالتحضير لحربٍ كبرى قد تؤذي لبنان. 
إزاء ما تقدّم، تأتي النقطة الثالثة وهي اعتبار لبنان “جبهة مُساندة” لفلسطين. المسألةُ هنا واضحة، فنصرالله ومن خلال إشارته هذه قصد أمراً مهماً جداً وهو تأكيده على أنَّ لبنان ليس جبهة أساسية ومحورية في القتال ضمن فلسطين. الرسالة هنا قد تكونُ موجهة مباشرة إلى حركة “حماس” التي انتقدت أداء “حزب الله” في المعركة، وبالتالي حدّد نصرالله وضع لبنان وسط الجبهة القائمة، وأكد أن حدود الجبهة الجنوبية لن تكون أكثر من “مُساند”، أي أنها لن تكون بمثابة “المهاجم”، وبالتالي على “حماس” أن تعي ذلك تماماً.  
النقطة الرابعة وهي الأكثر تأثيراً وتتصلُ بتهديد نصرالله الأميركيين في الشرق الأوسط وتحديداً قبالة لبنان. هنا، فإنّ حديث نصرالله عن “إعداد العُدة” لإستهداف الأساطيل الأميركية الموجودة في سواحل البحر الأبيض المُتوسّط يعني عدم حصر المواجهة بإسرائيل فقط، بل بتوسيعها إلى “الداعم الأساسي” للأخيرة. لكن الأساس يكمن في مكانٍ آخر وهو أن كلام نصرالله بشأن الأميركيين يأتي رداً على التهديدات الأميركية التي وصلت إلى الحزب مع بداية عملية “طوفان الأقصى” إذ قيل أنه سيتم قصفه من قبل الأميركيين في جنوب لبنان. هنا، على نصرالله ردّ الصاع إلى الأميركيين كلامياً، فهو هدّد طالما أنه تلقى تهديداً، والأمرُ محصور هنا ولن يتجاوز أكثر من ذلك، علماً أن واشنطن لن تُغامر ضد لبنان وكانت الرسائل في هذا الإطار واضحة وعلنية ومُكرّرة.  
النقاطُ جمعيها مُجتمعة تقودنا لفهم الأساس والمغزى في خطاب نصرالله، ولقراءة ما سيجري. بكل بساطة، فإن ما يتبين هو أنّ الخطاب يتصلُ فقط بالمرحلة الحالية، وما إن ينتهي عدوان غزة، حتى تزول مفاعيل الخطاب، وهذا ما يريده “حزب الله” أولاً وتسعى إليه إيران بالدرجة الأولى.