التحذيراتُ الأميركية التي تمّ الحديث عنها يوم أمس بشأن إمكانية ضرب “حزب الله” في حال هاجم إسرائيل، ليست جديدة. الأمرُ هذا كان كشفه الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله خلال خطابهِ الأخير يوم الجمعة الماضي، حينما قال علانيّة إنَّ الأميركيين هدّدوا “حزب الله” بقصفهِ وضربه في حال نفذ عمليات ضدّ إسرائيل.
في الواقع، فإنّ “التطبيل” الذي رافق تلك التهديدات هو الذي أعطاها أكثر من حجمها، فلا “حزب الله” ولا أميركا لديهما مصلحة في “التصادم”، باعتبار أن حدوث أي أمرٍ من هذا القبيل سيعني إندلاع حربٍ شاملة لا تريدها واشنطن ولا لبنان.
المُفارقة هي أنّ “حزب الله” اضطرّ لإسداء رسالة تهديدٍ مُضادة ضد الأميركيين من خلال نشره يوم أمس فيديو لصواريخ “نور” التي يمكن من خلالها إستهداف البوارج الحربيّة الأميركية في البحر الأبيض المتوسط. إلا أنه وللحقيقة، فإنَّ الفيديو الذي تمّ تداوله ليس جديداً، بل نُشر في وقتٍ سابق العام الماضي وتحديداً في ظلّ الحديث آنذاك عن ملف ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل. وعليه، يتبين هنا أن التهديد على التهديد جاء حفظاً لماء الوجه لا أكثر، مع العلم أن الصواريخ التي تم التلويح باستخدامها معروفة لدى الأميركيين والإسرائيليين، وكان من الممكن أن تُستخدم العام الماضي في حال حصول أي معركة بين لبنان وإسرائيل على خلفيّة ملف الحدود البحرية. في ذلك الحين، هدّد نصرالله بقصف منصة الغاز الإسرائيليّة في حقل كاريش في حال لم يحصل لبنان على حقوقه، لكنه بعد المفاوضات التي قادتها واشنطن عبر وساطة من المبعوث آموس هوكشتاين،حصل ما حصل وتمّ الترسيم قبل نحو عامٍ من الآن. ماذا يعني قصفُ أميركا للحزب في لبنان؟ فعلياً، فإنّ آخر التقارير عن التهديدات الأميركية باتت قديمة نسبياً، فمضمونها لم يتحقق أصلاً. الدليل على ذلك هو أن “حزب الله” هاجم إسرائيل في مواقعها العسكريّة، كما أنه استهدف طائراتها المُسيّرة وبدأ بإستخدام صواريخ أساسية في المعارك مثل “بُركان” و “غراد”. هنا، يتبين أن الحزب استطاع إسداء رسائله باتجاه إسرائيل ميدانياً وعسكرياً، فلماذا لم تقصفه أميركا حتى الآن؟ تقولُ مصادر معنية بالشؤون العسكرية والإستراتيجيّة إنّ أي تهديدٍ بضرب”حزب الله” لن يكون سهل التحقيق لوجود اعتبارات أساسية أبرزها أنّ إيران ستعتبر أن الإستهداف بات يطالها بشكلٍ مباشر كون “حزب الله” يمثلها في المنطقة. إضافة إلى ذلك، فإنّ أي هجومٍ سيطالُ “حزب الله” من قبل الأميركيين سيعني إندلاع مواجهة كبرى ستشهدُ قصف البوارج الأميركية.. فهل ستتحمل أميركا هذا الأمر؟بحسب المصادر، فإن الجواب على السؤال الأخير هو “لا”، فواشنطن تدعم إسرائيل في حربها ضد غزة، لكنها لن تُغامر بأساطيلها من أجل حربٍ بات الضغط باتجاه إنهائها كبيراً. آخر المستجدات على هذا الصعيد كان خلال الساعات الماضية، إذ نقلت تقارير إسرائيليّة عن مسؤولين أميركيين كبار قولهم إن الوقت محدودٌ للحملة الجوية الإسرائيلية ضد غزة، ما يعني أن “الورقة الأقوى” بيد إسرائيل ستُحسب منها تدريجياً، علماً أن الإكتفاء بالمعارك البرية ضدّ “حماس” سيكبّد تل أبيب تكاليف باهظة عسكرياً وميدانياً. تكتيكات ووساطات الإنعطافة الأساس في ظلّ الوضع الراهن تكمن في لجوء “حزب الله” إلى تكتيكات جديدة ستُقوّض يد إسرائيل جوياً في لبنان، وهذا الأمرُ مهما تكرر لن يدفع أميركا لمهاجمة الحزب. مضمون تلك التكتيكات ترتبطُ ببدء ما يُسمى بمرحلة “حرب المُسيّرات”، فـ”حزب الله” بات يعملُ حالياً على تهديد الطائرات الإسرائيلية المُسيّرة بالصوايخ المُخصصة لذلك، وآخر فصول هذا الأمر تمثلت قبل يومين حينما إستهدف الحزبُ طائرة تجسس بصاروخ جعلها تنفجر في الجو. السرّ في هذا الإستهداف ليسَ عابراً، فالحزبُ يعتبره مفصلياً ومحورياً. بالنسبة له، فإن “تعرية” إسرائيل أمنياً في لبنان هو أمرٌ ضروري، ولهذا السبب يجري إستهداف أجهزة المراقبة والتجسس في المواقع الإسرائيلية. الخطوة هذه تُفقد إسرائيل مهمة الكشف الميداني في محيط تلك المواقع، ولهذا السبب باتت تلجأ كثيراً إلى طائرات التجسس لتغطية الفارق. هنا، ألا يُعتبر هذا الأمر تهديداً كبيراً لإسرائيل؟ في تل أبيب، جرى التعبير عن هذا الأمر علناً، والسؤال هنا: ألم يكُن يستدعي كل ذلك تدخل الولايات المتحدة ولو بجزءٍ بسيط ويسير؟ ما يمنع كل ذلك هو الوساطات التي دخلت على خط واشنطن – الضاحية الجنوبية، وتقولُ المصادر إنّ شخصية بارزة تتولى التنسيق مع الجانب الأميركي وإبلاغه برسائل مباشرة تنصح واشنطن بعدم مواجهة “حزب الله” لأن العواقب ستكون كبيرة. الكلامُ في هذا الإطار قيل سابقاً وتم تكراره الآن، علماً أن آفاق المواجهة لم تتضح بعد لا في لبنان ولا حتى في قطاع غزة.. لهذا، الأمور محكومة بالوقت، ولهذا يجب الانتظار كي تتضح صورة المساعي لوقف الحرب، إقليمياً ودولياً..