هذه هي الرسالة اللبنانية التي تبّلغها هوكشتاين

9 نوفمبر 2023
هذه هي الرسالة اللبنانية التي تبّلغها هوكشتاين


آموس هوكشتاين في بيروت. زار الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي وعددًا من السياسيين الذين كان يزورهم في السابق. هو ليس موفدًا عادّيًا كسائر الموفدين. لقد ارتبط اسمه قبل سنة من الآن بنجاحه في عقد اتفاق بين لبنان ودولة إسرائيل بعد مفاوضات غير مباشرة بينهما بوساطة أميركية مباشرة أدّت إلى ترسيم الحدود البحرية بينهما، وذلك بعدما أعطى “حزب الله” الضوء الأخضر للجانب اللبناني للسير بهذا الاتفاق. ولولا موافقته لما كان هذا الاتفاق قد أبصر النور. هذا ما اعترفت به الولايات المتحدة الأميركية، وهي المعروفة مواقفها من “حزب الله”، وهي لا تزال تتهمه بأنه “منظمة إرهابية. أمّا موقف الحزب من “الشيطان الأكبر” فحدّث ولا حرج، خصوصًا أن أكثر من نصف الكلام الأخير لأمينه العام السيد حسن نصرالله خصّصه لاتهام واشنطن بأنها هي التي تقف وراء الحرب على غزة.

Advertisement

فآموس الذي قصد بعلبك في آخر زيارة له للبنان، وأكل منقوشة أمام صخرة الروشة، بات يعرف لبنان مثله مثل أي سفير أميركي تصعب عليه مغادرة الربوع اللبنانية عند انتهاء مهمته الديبلوماسية فيه. يعرف أدّق التفاصيل. هو ليس بحاجة إلى من يشرح له تعقيدات الوضع السياسي المتشابك. فهو يعرف ما فيه الكفاية حتى أنه يعرف ربما أكثر من كثيرين ممن يتعاطون الشأن السياسي بسطحية. 
لم يجد الرئيس الأميركي جو بايدن أفضل من آموس لتبليغ لبنان رسالة أميركية واضحة. يثق بأن الذي نجح في أصعب مهمة سينجح في اقناع من يجب اقناعهم بأن الحرب على لبنان ستكون كارثية، وأن واشنطن تبذل كل جهد ممكن للضغط على إسرائيل لكي لا تقدم على خطوة سبق أن وصفها نصرالله بـ “الحمقاء”. ولكن في المقابل تضمّنت الرسالة الأميركية التي حملها هوكشتاين وليس أحد سواه مضامين وضعها البعض في خانة الشروط الأميركية. وهذه الشروط تفرض على الجانب اللبناني الالتزام بما جاء في القرار 1701، أي بأن تكون المنطقة الجنوبية الواقعة جنوب خط الليطاني بأمرة الجيش وحده دون سواه، وبإشراف قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب.
الجواب اللبناني على الرسالة الأميركية كان واحدًا ونهائيًا، وهو أنه لو التزمت إسرائيل، التي تنتهك السيادة اللبنانية بحرًا وبرًّا وجوًّا كل يوم، القرار 1701 لما كانت المقاومة موجودة على الحدود متأهبة للردّ على أي عدوان إسرائيلي. ولما كان كل هذا الذي تعيشه القرى الجنوبية، التي تتعرض للاعتداءات الإسرائيلية اليومية، وآخر هذه الاعتداءات استهداف عائلة بكاملها في عيناتا، وقبلها استهداف الصحافيين، واستشهاد المصور الصحافي عصام العبدالله.
فإذا كانت واشنطن تريد فعلًا أن تمنع انجرار لبنان إلى حرب كارثية فما عليها سوى أن تعالج السبب وليس النتائج. عليها أن تلزم إسرائيل بالالتزام بالقرار 1701. فإذا نجحت في هذا الأمر وعالجت السبب لا يعود هناك نتائج. هذا ما تبّلغ به الموفد الأميركي، الذي كان يتمنى أن تكون زيارته للبنان هذه المرّة لبدء المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود البرية وليس لأي أمر آخر.
رسالة لبنان ردًّا على الرسالة الأميركية كانت واضحة. ألجموا إسرائيل. أوقفوا اعتداءاتها على لبنان تتوقف الحرب. لبنان (“حزب الله”) لن يعتدي، وإن كان متضامنًا كل التضامن مع أهل غزة، ولكنه لن يقبل بأن يعتدي أحد عليه. هو يدافع عن نفسه ولا يعتدي. 
هوكشتاين الذي يفهم من الإشارة، وهو اللبيب، تبّلغ الرسالة اللبنانية، التي تقول: إذا كانت واشنطن جادة في منع نقل شرارة الحرب من غزة إلى لبنان فما عليها سوى أن تعالج السبب وأن تذهب إليه مباشرة. بهذه الطريقة فقط تجنّب لبنان ويلات الحرب. وهكذا يمكن الانتقال إلى مراحل أكثر تقدّمًا لا تقتصر على لبنان وحده، بل تشمل القضية الفلسطينية، انطلاقًا من مبادرة الرئيس ميقاتي، والتي سيطرحها رسميًا في قمة الرياض.