التمديد لقائد الجيش.. هل يغيّر موقف الراعي تموضع الأفرقاء؟!

9 نوفمبر 2023
التمديد لقائد الجيش.. هل يغيّر موقف الراعي تموضع الأفرقاء؟!


“من المعيب حقًا أن نسمع كلاماً عن إسقاط قائد الجيش في أدقّ مرحلة من حياة لبنان وأمنه واستقراره وتعاطيه مع الدول”. بهذه العبارات، لخّص البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قبل أيام، الموقف من “الجدل” حول التمديد لقائد الجيش، مشيرًا إلى أن المؤسسة العسكرية “منبع ثقة المواطنين واستقرارهم النفسيّ والأمنيّ”، وهي تحتاج “إلى مزيد من المساعدة والتشجيع والاصطفاف حولها”.

Advertisement

 
قبل كلام البطريرك الراعي، كانت المؤشرات تدلّ إلى غياب “الأكثرية الوازنة” المؤيّدة للتمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي تنتهي ولايته مطلع السنة المقبلة، فإعلان كتلة “الجمهورية القوية” عن اقتراح قانون لتأجيل سنّ تقاعد القائد لعامٍ كامل، لم يشرّع الباب عمليًا أمام مثل هذا التمديد، ولا سيما أنّ حلفاءه في المعارضة انتقدوا قبل غيرهم ما وصفوه بـ”التسرّع”، فيما نفى حزب “الكتائب” نيّته المشاركة في جلسة برلمانية تحت عنوان التمديد.
 
وجاء موقف القوى المعارضة لـ”التشريع في ظلّ الفراغ”، ليتكامل مع موقف رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل الذي يُشهِر “الفيتو” في وجه التمديد لقائد الجيش، لأسباب يقول إنّها “مبدئية”، فيما يعتبرها خصومه “مصلحيّة”، ما يفتح الباب أمام التكهّنات، فهل يغيّر موقف الراعي من تموضع الأفرقاء من الاستحقاق المُنتظَر، فيصبح “التمديد” تحصيلاً حاصلاً، ولو تُرِك الربع الساعة الأخير؟
 
معارضون للتمديد 
قبل كلام البطريرك الماروني الأخير، كانت الكفة تميل لصالح “المعارضين” للتمديد لقائد الجيش، ولو اختلفت الأسباب وتفاوتت الخلفيّات، فموقف رئيس “التيار الوطني الحر” يبدو الأكثر “ثباتًا”، هو الذي بات يصنَّف “خصمًا شخصيًا” لعون، وثمّة من يعتبر أنّ اعتراضه على التمديد له ليس مبنيًا فقط على “مبدئية أو براغماتية”، بقدر ما هو محاولة لإبعاد قائد الجيش من الصورة، بما يضعِف حظوظه الرئاسية التي يقول البعض إنّها لا تزال”الأعلى”.
 
وإلى باسيل، يعتقد كثيرون أنّ “الثنائي الشيعي” المتريّث في حسم موقفه، لا يبدو مستعدًا للسير باقتراح “القوات”، فرئيس مجلس النواب نبيه بري يعترض على “مصادرة صلاحياته” من جانب “القوات”، عبر “اشتراط” جدول أعمال أيّ جلسة تشريعية يدعو إليها، فيما “حزب الله” يريد من جهة مراعاة موقف باسيل، في ضوء “التقاطع الإيجابي” معه على المستوى الاستراتيجي، ويرفض من جهة ثانية السير باقتراح مقدَّم من “القوات اللبنانية”، مهما كان الثمن.
 
وفي حين تضمّ لائحة رافضي التمديد أسماء أخرى، وإن بدت أكثر “مرونة”، كرئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” السابق وليد جنبلاط، الذي يريد تعيين رئيس للأركان أولاً، فإنّها قد تضمّ أيضًا قوى من المعارضة كحزب “الكتائب”، الذي يعتبر أن أيّ تمديد يجب أن ينطلق من الحكومة، لا من مجلس النواب، انسجامًا مع رفض هذا الفريق ما يسمّى بـ”تشريع الضرورة”، تحت أيّ عنوان أو مبرّر.
 
ماذا بعد موقف الراعي؟ 
لكنّ كلّ ما سبق من مواقف، سواء صُنّفت مبدئية أو براغماتية، قد لا تبقى على حالها، وفق ما يقول العارفون، خصوصًا بعد كلام البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي خلط الأوراق لأكثر من سبب، ولا سيما أنّه اعتبر الكلام عن “إسقاط” قائد الجيش معيبًا في هذه المرحلة الدقيقة والاستثنائية، علمًا أنّ هذا المنطق يتلاقى مع القائلين بعدم إمكانية “المسّ” بالمؤسسة العسكرية في زمن الحروب، التي يلوح “شبحها” في الأفق اللبناني، ولو بقي بعيدًا.
 
يقول العارفون إنّ أبعادًا كثيرة تدفع البعض لإعادة النظر بموقفهم من التمديد لقائد الجيش، بينها قد يكون طائفيًا، باعتبار أنّ “الشغور” على رأس القيادة العسكرية، يعني ضمنًا “ضرب” الموقع الماروني الثالث في الدولة، بعد موقعي رئيس الجمهورية وحاكم مصرف لبنان، علمًا أنّ البدائل المُتاحة، ومن بينها تعيين رئيس للأركان يمكن أن يتصدّى للمسؤولية، قد تصطدم هي الأخرى بعقبات طائفية، ولو تمّ تخطّيها في مواقع أخرى، في الأمن العام ومصرف لبنان.
 
في المقابل، ثمّة من يقلّل من شأن هذا “التحفّظ”، باعتبار أنّ التمديد هو الحالة “الاستثنائية”، وليس الالتزام بالدستور، الذي يضمن عدم حصول “فراغ” في المؤسسة العسكرية، شأنها شأن غيرها من المؤسسات التي تحكمها “استمرارية العمل العام”، ويرى هؤلاء أنّ موقف البطريرك الراعي بهذا المعنى قد يشكّل “ضغطًا معنويًا”، لكنه ليس “ملزمًا”، علمًا أنّ الأولوية يجب أن تكون مركّزة على انتخاب رئيس للجمهورية، بدل التمديد لقائد الجيش.
 
ثمّة من يقول إنّ “التمديد” لقائد الجيش حاصلٌ بالتأكيد، عاجلاً أم آجلاً، لأنّ البلاد في هذه المرحلة لا تحتمل أيّ شغور على رأس المؤسسة العسكرية، وأنّ المعترضين سيغيّرون موقفهم في الوقت المناسب. لكن ثمّة من يقول في المقابل، إنّ “النوم على حرير التمديد” لن ينفع، لأنّ “الإجماع” على مثل هذا القرار قد لا يكون مُتاحًا، في ظلّ “الفيتو الباسيليّ” الثابت، لتبقى الكلمة “الفصل” كالعادة متروكة إلى اللحظة الأخيرة!