هل تكفي التظاهرات الشعبية لردع إسرائيل؟

16 نوفمبر 2023
هل تكفي التظاهرات الشعبية لردع إسرائيل؟


يقول كثيرون إنه لولا عملية “طوفان الأقصى” لكان العالم نسي أو تناسى القضية الفلسطينية. وفي هذا الكلام، على رغم ما يتعرّض له أهل غزة من مجازر ترتكبها إسرائيل في حقهم على امتداد أربعين يومًا متواصلة، الكثير من الواقعية. فما تشهده الساحات العامة في معظم مدن العالم من تظاهرات شعبية تطالب بوقف فوري للنار وإنهاء مأساة شعب يُذبح كل يوم بدم بارد خير دليل على أن هذه العملية قد فعلت فعلها. 

Advertisement

فمن قام ونفّذ هذه العملية بدّقة متناهية وبحرفية قلّ نظيرها كان يعرف أن ردّة فعل إسرائيل ستكون عنيفة جدًّا، ولكنه كان يعرف أيضًا أنها ستعيد إحياء القضية الفلسطينية في ضمائر أحرار العالم. لا شك في أن الثمن باهظ. ولكنه يبقى أفضل من الموت اليومي البطيء. فما كان يقاسيه الفلسطينيون من التصرفات الإسرائيلية اللاأخلاقية غير مقبول، خصوصًا أن السجون الإسرائيلية لم تعد تتسع لمزيد من الأسرى الفلسطينيين مع ما يعانونه من سوء معاملة لا ترقى إلى المستوى الانساني والأخلاقي بشيء.  
صحيح أن من يدعمون إسرائيل في ما تنفذّه من جرائم موصوفة يصمّون آذانهم لأنهم لا يريدون أن يسمعوا أصوات ناسهم، الذين يطالبونهم بوقف دعمهم لمن يقتل الأطفال والنساء والشيوخ. ولكن ما يميزّ هذه الصرخات هو أنها بدأت تفعل فعلها حتى في الدول الأكثر تشدّدًا في التماهي مع ما تخطّط له إسرائيل وما تقوم بتنفيذه من خلال تحويل قطاع غزة إلى مرأب للسيارات على حد ما طالب به النائب الجمهوري ماكس ميلر. 
ومع هذا الضغط الشعبي الآخذ في الاتساع يومًا بعد يوم تبدو الحكومات الغربية في وضع حرج، وهي بدأت تضغط على إسرائيل للقبول أولًا بهدنة إنسانية قد تقود في مراحل لاحقة إلى وقف شامل للنار إفساحًا في المجال أمام البحث بعقل بارد عن حلول جذرية لمعضلة عمرها 75 سنة، وإن كان رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصرّ على “إنهاء” حركة “حماس” عبر حرب استنزاف طويلة الأمد. 
وقد تكون استجابة حكومة نتنياهو للنداء المطالب بهدنة إنسانية مخرجًا مؤقتًا لما تعانيه الحكومات الغربية من إحراج نتيجة الضغط الشعبي المتعاطف مع معاناة أهل غزة. وهذا ما تحتاج إليه هذه الحكومات لإعادة تموضعها على الساحة الدولية، من حيث قوة تأثيرها على مجريات الحرب الدائرة في فلسطين المحتلة، والتي يمكن أن تتطور إلى حرب شاملة لا يستبعد كثيرون أن تتحول إلى حرب عالمية ثالثة.  
إلا أن هذه الحركات الشعبية لم تصل بعد إلى تكوين موجة ضاغطة على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لدفعها إلى فرض وقف لإطلاق النار، الذي لا تزال تعارضه بشدّة حتى الساعة. بل إن أصواتاً متطرفة كثيرة لا تزال مسموعة في المشهد السياسي والإعلامي الأميركي، بينها اقتراح النائب الجمهوري المتطرف راين زينكي بإيقاف كل طلبات الهجرة للفلسطينيين إلى الولايات المتحدة الأميركية، في موقف يحمل شحنة كبيرة من التصرّف العنصري ضد الشعب الفلسطيني.  
في المقابل تبدو تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين لافتة كونها الأولى من نوعها التي تعترف بتصاعد الضغط الدولي على إسرائيل لوقف الحرب. وقال إن الضغط الدولي يزداد على بلاده لإنهاء الحرب في قطاع غزة بسبب الوضع الإنساني هناك. وأضاف أن أمامهم أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع لحسم الحرب قبل أن يصبح الضغط مؤثرا. وهذا دليل آخر على إخفاق الإدارة الأميركية والدعاية الإسرائيلية في معركة الرأي العام الدولي بإدانة الفلسطينيين وتأطير مقاومته ووصمها بالإرهاب. وما شهدته العواصم العالمية من الشرق والغرب وفي كبرى العواصم الأوروبية والمدن الأميركية من تظاهرات مساندة للفلسطينيين ومناهضة لدولة الاحتلال ورافضة لجرائمها بشكل غير مسبوق أربك واشنطن والعواصم الغربية المؤيدة لإسرائيل. 
فهل تكفي هذه التظاهرات وحدها لردع إسرائيل عن القيام بما هي مصرّة عليه، وهو انهاء “حماس” أيًّا يكن الثمن؟