كتب سامر عبود: كان الرئيس نجيب ميقاتي على حق عندما اعلن بان مسألة التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون مدة اضافية بعد انتهاء ولايته في العاشر من كانون الثاني المقبل ، ليس فقط لانه كان صريحاً وواضحاً وسط المواقف الضبابية التي تلف هذا الملف الحساس ، بل كذلك لان رئيس الحكومة يدرك، من خلال واقعيته وموضوعيته ووطنيته ،ان مسألة كهذه لا يجوز ان تعالج بالمزايدات والتصعيد . ذلك ان الجيش ، بصرف النظر عن مناقبية قائده ومواقف الاطراف السياسيين منه ، يجب ان يبقى فوق الصراعات السياسية والحسابات الشخصية ايضاً خصوصاً في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد ، واي ” شخصنة ” لهذا الملف ستؤثر سلباً على وضع المؤسسة وكبار الضباط فيها الذين يتمتعون بالخبرة والكفاءة والاخلاص للقسم الذي رددوه يوم تخرجهم من الكلية الحربية .
Advertisement
ولا شك ان الرئيس ميقاتي بنى موقفه من اهمية التوافق في مسألة التمديد لقائد الجيش على معطيات عدة لعل ابرزها الاتي :
اولا : ان كل ما يعني الجيش لا بد ان يكون محط توافق اللبنانيين لان هذه المؤسسة ما كانت يوماً – ولا يجوز ان تكون – لفريق من دون آخر ، وبالتالي فان اعتراض جهة تمثل فريقاً من اللبنانيين – بصرف النظر عن حجمه او الخلاف حول مواقفه – لا يجوز ان يمر مرور الكرام او الا يكون له الصدى الذي يستوجب استيعابه اولا ثم معالجته ثانياً بطريقة يبقى فيها الجيش مصاناً من اي خضة داخلية.
ثانياً : يدرك الرئيس ميقاتي ، وهو رجل دولة بامتياز ،ان احترام الدستور ، نصاً وروحاً، واجب وضروري وملزم . صحيح انه لم يقسم على المحافظة على الدستور مثل رئيس الجمهورية ، لكنه بحكم موقعه لا بد ان يلتزم الموجبات التي يفرضها عليه الدستور وهو الذي اعلن مراراً انه متمسك بالنصوص الدستورية منذ ان تولت حكومته صلاحيات رئيس الجمهورية مع انتهاء ولاية الرئيس السابق العماد ميشال عون . ذلك انه من خلال التمسك بالدستور ، مارس الرئيس ميقاتي وحكومته صلاحيات رئيس الجمهورية فاصدر مراسيم ونشر قوانين وترأس جلسات لمجلس الوزراء على رغم غياب وزراء ” التيار الوطني الحر ” . لذلك لا يجوز ان يتوقع احد ان الرئيس ميقاتي يمكن ان يخالف الدستور او ” يجتهد” في معرض النص الواضح .
ثالثاً : اما المعطى الثالث فهو ضرورة ابقاء قيادة المؤسسة العسكرية خارج النزاعات القضائية ذلك انه مجرد الطعن باي قرار يتخذ على صعيد القيادة امام القضاء الاداري او الدستوري ، يزرع التشكيك في قانونية اي اجراء تتخذه هذه القيادة ويفتح الباب امام طعون مختلفة تضع الجيش في مهب الضياع حول شرعية ما يحصل ويعرّضه الى نكسات غير محمودة وغير مضمونة النتائج ، لاسيما وان ثمة حالات سابقة حصلت وحسمها مجلس شورى الدولة بقرار معلل ولو كان صدر بعد فوات الاوان ! ان ابشع ما يمكن ان يصيب مؤسسة او ادارة او وزارة ، هو ان يكون المسؤول الاول فيها موضع مراجعات قضائية مع ما يستتبع ذلك من اخطاء وممارسات غير مقبولة .
من هنا اصاب الرئيس ميقاتي عندما اشترط التوافق ، لا بل دعا اليه وشدد على اهميته ، وهو بذلك اراد ان يحمي مؤسسة الجيش ويبقيها بعيدا عن التجاذبات والخلافات . وكي تكتمل رغبة رئيس الحكومة لا بد من تجاوب القيادات اللبنانية وعدم وضع العصي في الدواليب والشروط غير القابلة للتحقيق ، ذلك ان التوافق يعني عملياً ايجاد حل وسط لا يشكل مخالفة للدستور ويحافظ على الجيش ولا يعرّض قيادته للتشكيك والمسآلة القضائية ، ادارية كانت او دستورية .