إذا كان الكلام الذي نُقل عن المرشد الروحي للثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي عندما التقى رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية صحيحًا وغير محرّف تسهل عندها عملية معرفة ماذا يجري في غزة، وبالتالي في جنوب لبنان بعد ما يقارب الأربعين يومًا من عملية “طوفان الأقصى”والحرب التي تشنّها إسرائيل ضد المدنيين في القطاع، واضعة نصب أعينها هدفًا وحيدًا، وهو القضاء على “حماس”، للانتقال في مرحلة لاحقة، كما تدّعي، إلى مفاوضات أرست أسسها القمة العربية – الإسلامية، التي شاركت إيران في صياغة بيانها الختامي.
وتأسيسًا على ما نقلته وكالة “رويترز” عن خامنئي من أن إيران لن تدخل الحرب فإن موافقة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي على مضمون البيان الختامي لقمة الرياض تصبح أكثر وضوحًا من ذي قبل، وهي أتت في سياق ما كان قائمًا من تنسيق مسبق بين الرياض وطهران، والذي تّوج باللقاء الذي عُقد بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الإيراني على هامش القمة، والذي يمكن وصفه بأنه “لقاء مفصلي” في هذه المرحلة الدقيقة، التي تمرّ بها المنطقة على وقع الحرب على غزة.
وبناء على الكلام الافتراضي المنسوب إلى المرشد الروحي، وهو كلام لم يكن متوقّعًا ولم ينفه أحد، قياسًا إلى مواقفه السابقة من إسرائيل ودعمه المطلق للقضية الفلسطينية، فإن ما يجري في جنوب لبنان من مناوشات لم ترقَ بعد إلى مستوى الحرب الحقيقية والجدّية يمكن وضعه في إطار تناغمي مع هذا الموقف الإيراني الافتراضي المسند كذلك إلى معلومات غير رسمية تشير إلى أن طهران أبلغت القاهرة بأنها لن تدخل حربًا لم تكن تعرف بها. من هنا فإن مواقف الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله، في طلتيه الأخيرتين، جاءت متناسقة مع ما أعلنه السيد خامنئي، وهي مواقف سمح بعض قادة “حماس” لأنفسهم بانتقادها واتهام الحزب بأنه يتلكأ في إعلان “الحرب الجهادية” ودعم أهل غزة بطريقة مختلفة عمّا هي الحال في الجنوب اللبناني، على رغم استمرار سقوط الشهداء من صفوف المقاومة الإسلامية.
وفي ما يشبه الردّ على من يطالبون “حزب الله” بالانخراط الفعلي في حرب شاملة ضد إسرائيل، التي تشنّ حرب إبادة ضد فلسطينيي قطاع غزة، يُقال لمن يتهم بأن الشهداء الذين يسقطون بالعشرات من بين صفوف الحزب لم يسقطوا وهم في رحلة صيد، بل هم قدّموا دماءهم فداء عن قضية مقدسة آمنوا بها واستشهدوا من أجلها، وأن كل البيانات التي تصدر عن المقاومة الإسلامية بعد كل عملية أمنية تقوم بها ضد مواقع العدو تبدأ بها بعبارة لا تتغيّر، وهي “دعمًا لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وتأييدًا مقاومته الباسلة والشريفة…”
فوتيرة العمليات العسكرية للمقاومة ارتفعت في اليومين الماضيين، حيث تمّ استهداف عشرات المواقع وثكنات جيش الاحتلال مع دخول أنواع جديدة من السلاح الصاروخي والتكتيكات الميدانية التي يعجز الاحتلال عن التعامل معها ومواجهتها، وفاجأته، مع علمه المسبق بأنها جزء بسيط مما تملكه المقاومة من أسلحة وصواريخ وبنك أهداف إذا استخدمته فستغير مسار الحرب.
في المقابل يزيد جيش الاحتلال كل يوم من نسبة استنفاره على كامل منطقة الشمال ويستخدم تقنيات جديدة لرصد الحدود والتجسس على تحركات المقاومة بعد تدمير الجزء الأكبر من الجدار الإلكتروني طيلة أيام الحرب، كما لم يقم العدو بنقل جزءٍ من قواته من الشمال الى جبهة غزة، ما يعكس حجم قلقه وخوفه من توسع الجبهة الشمالية.
ولكن كل ما يصل إلينا من أنباء ميدانية من أرض الجنوب لا يمكن ادراجه في خانة التحضير للحرب الشاملة لأن ما يُقال في الكواليس الإقليمية يؤكد أن ما هو مرسوم لا يتخطّى ما يراد له من أبعاد.