فيما يعيش اللبنانيون أسوأ أيام حياتهم نرى أن لا همّ لـ “بعضٍ” من أهل السياسة سوى الامعان في تذكيرهم بأنهم يعيشون في بلد اسمه لبنان، مع ما في هذه العيشة من “تعتير” بالمعنى السوريالي للكلمة. وقد يكون أول مظاهر هذا “التعتير” أن هناك من لم يقتنع بعد بأنه لم يعد قادرًا على التحكّم بكل مفاصل حياتهم اليومية، وبأدّق تفاصيلها. وهذا “البعض” نسي أو يحاول أن ينسى أنه يوم كان في السلطة ذاق اللبنانيون “زوم الزيتون”. وقد تكون الحملة التي يشّنها ضد قائد الجيش الحالي العماد جوزاف عون واتهامه بالفساد وتجاوز القوانين هي من بين أهم ما في جعبته من أسباب تعطيلية لاستحقاقات داهمة. لن يترك هذا “البعض” أي وسيلة للحؤول دون التمديد لمن استطاع أن يحول دون انهيار مؤسسة الجيش، بالتعاون مع جميع الذين لا يزالون يؤمنون بأن هذه المؤسسة، وبما تقوم به من مهام جسيمة، هي من بين المؤسسات القليلة التي لا تزال صامدة في وجه الأعاصير، والتي يمكن التعويل عليها، أولًا للحفاظ على ما تبقّى من هيبة لشيء اسمه “الدولة”، وثانيًا لإعطاء الأمل بالغد الآتي.
قد يكون هذا “البعض” محقًّا في “استماتته” لمنع التمديد للعماد عون. وهذا ما يجب أن يتفهّمه الجميع. لأن في الاعتقاد أنه إذا تمّ هذا التمديد فإن اسم قائد الجيش يبقى من بين الأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية. وهذا ما يقلق هذا البعض. ففي حال حصول هذا التمديد فهذا يعني أن على هذا “البعض” أن يعيش عامًا إضافيًا هاجس إمكانية انتقال العماد عون من اليرزة إلى بعبدا.
ليس دفاعًا عن قائد الجيش الحالي، وليس أنه ليس في “الميدان غير حديدان”، لأن ثمة ضباطًا كثرًا يتمتعون بالأهلية المطلوبة لو أن لبنان يعيش في أفضل ظروفه، كما يقول الذين يرون في تعيين قائد جديد مغامرة في غير محّلها في هذا الظرف غير الاستثنائي، الذي يمرّ فيه البلد من كل النواحي، وبالأخص الناحية الأمنية، ولكن دفاعًا عن مؤسسة لا تزال بالنسبة إلى كثيرين من اللبنانيين الملاذ الآمن، وجسر عبور من شبه دولة إلى دولة حقيقية كاملة المواصفات، تستطيع أن تكون الضامن الحقيقي لجميع المنتمين إليها، وحتى لجميع الذين يعيشون في كنفها.
فهذا البعض يحاول في معركته الجديدة ألا يكون لوحده في الساحة، ويسعى إلى كسبها بكل ما أوتي من قوة وإمكانات، لأنه لا يريد أن يخسرها منفردًا أو لوحده، وهو لا يزال يراهن على بعض المواقف، التي يمكن أن يكون لها تأثير مباشر على أي قرار يمكن أن يُتخذ سواء في مجلس الوزراء أو في مجلس النواب، مع أن الخيارات المطروحة للحؤول دون الوصول إلى مرحلة الفراغ في مسؤولية القيادة العسكرية، بحيث يأتي أي حل ممكن، ومن بين هذه الحلول المطروحة التمديد للقائد الحالي، مع الأخذ في الاعتبار مواقف جميع القوى السياسية، ومن بينها من يؤيد التمديد، وعلى رأسهم البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي.
فـ “التيار الوطني الحر” الذي يسعى إلى فرملة كل محاولات إقناعه، ولا سيما من جانب قطر، بتأييد عون، بدأ معركة قطع الطريق أمام بقائه في اليرزة. لكنه لم يعمل على تهيئة الأرضية المناسبة للوصول إلى هذه النتيجة، وكأنه في نهاية المطاف كان على ثقة بأن موقف “حزب الله” سيكون إلى جانبه في استبعاد عون من السباق الرئاسي، مع العلم أن “حارة حريك” لم تعطِّ أي إشارة بعد، سلبية كانت أم إيجابية بالنسبة إلى عقدة التمديد.