العار على خطّ سجال التيار والقوات.. هل الوقت مناسب؟!

21 نوفمبر 2023
العار على خطّ سجال التيار والقوات.. هل الوقت مناسب؟!


وكأن المشاهد المأسوية الآتية من غزّة لا تكفي، على وقع المجازر الإسرائيلية اليومية التي لا تنتهي، والقصص المروّعة خلف الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال، التي لا يردعها رادع قانوني أو إنساني أو أخلاقي، ليصرّ البعض في لبنان على ممارسة “هوايته المفضّلة”، في زمن السلم كما الحرب، ألا وهي “التفنّن” في الهجوم على الآخر، باستخدام “أقوى” الأوصاف والنعوت، وكأنّه بذلك يحقّق “نصرًا”، ولو “معنويًا”.

Advertisement

 
هكذا، يمكن وصف السجال الذي بدأ منذ ما قبل عطلة نهاية الأسبوع بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” على خلفيّة ملف التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي يُقال إنّه “سلك طريقه” نحو التنفيذ، ما دفع رئيس حزب “القوات” سمير جعجع للهجوم على خصمه التقليديّ، الوزير السابق جبران باسيل، ليس فقط باعتباره “يريد التخلّص” من عون، ولكن لأنّ سلوكه يجعل منه “عار السياسة اللبنانية بامتياز”، على حدّ وصفه.
 
وبطبيعة الحال، لم يتأخّر ردّ “التيار الوطني الحر” عبر لجنة الإعلام والتواصل فيه، التي لم تكتف هي الأخرى باتهام جعجع بارتكاب “جريمة معلنة ومثبتة”، أو بممارسة “النكاية السياسية”، ولو “ضرب عرض الحائط كل مواقفه ومبادئه”، بل توجّهت إليه بالقول: “إن لم تستحِ فاصنع ما شئت”، فما محلّ مثل هذا السجال “الافتراضي” الذي تجاوز كلّ الحدود، من الإعراب في زمن “الحروب”؟ وهل يدرك من خاضوا فيه كم هو “منفصم عن الواقع”؟!
 
سجال خارج الزمن 
بالنسبة إلى كثيرين، يبدو السجال بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” خارج الزمن، ولو لم يكن “خارجًا عن المألوف” بين الخصمين التاريخيّين، اللذين لم يقرّب بينهما تفاهمٌ اعتُبِر جوهريًا، على غرار ذلك الذي أبرماه في معراب وأفضى إلى انتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهورية، ولا تقاطعٌ وُصِف بالمرحليّ، على غرار ذلك الذي قام على أساس مواجهة ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية.
 
يقول العارفون إنّ هذا السجال يبدو “خارج الزمن” للكثير من الأسباب والاعتبارات، من بينها أنّه يركّز على “القشور” في لحظةٍ “دقيقة وحسّاسة”، في ظلّ الحرب الإسرائيلية المستمرّة على قطاع غزة، وانعكاساتها على المنطقة بأسرها، ولبنان من ضمنها، وهو الذي يعيش “حربه الخاصة” عند حدوده الجنوبية، والتي تبقى سيناريوهات تمدّدها إلى كامل الأرض اللبنانية محتملة، ولو بقيت مستبعَدة حتى إثبات العكس على الأقلّ.
 
مع ذلك، قد يُفهَم هذا السجال ربطًا باستحقاقي قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية وفقًا للعارفين، إذ ليس خافيًا على أحد أنّ المعركة الحالية ليست مجرّد “تمديد” لقائد الجيش، ولا هي تعكس مجرّد “حرص” على المؤسسة العسكرية، التي ستبقى “ضمانة” للبنانيين، بمعزل عن مصير “القائد” والتمديد له، فبين طيّاتها تدور المعركة الرئاسية الأهمّ، ولا سيما أنّ قائد الجيش يبقى حتى إشعار آخر، المرشح “الأوفر حظًا” برأي شريحة واسعة من اللبنانيين.
 
“البادئ أظلم” 
لكن، حتى إذا ما وُضِعت المعركة في هذا السياق “الأعمّ”، وفي إطار استحقاق الانتخابات الرئاسية، “المجمَّد” حتى إثبات العكس، تُطرَح علامات استفهام عن “جدوى” السجال العلنيّ بهذا الشكل، وقد دخل “العار” على خطّه، في وقت يفترض أن يكون الاهتمام منصبًّا على أماكن أخرى، ولا سيما بعدما غيّرت حرب غزة الكثير من المفاهيم والأولويات، بل فتحت الباب أمام احتمال إعادة النظر بالكثير ممّا كان يُعتبَر ثوابت وبديهيّات.
 
هنا، يستند الطرفان إلى ذريعة “البادئ أظلم” لتبرير موقفه، ولو أنّ “البادئ” بالنسبة لهذا الفريق هو عكس “البادئ” بالنسبة لذاك، فأوساط “التيار الوطني الحر” تعتبر أنّ جعجع هو الذي “أخطأ العنوان”، وهو الذي هاجم باسيل من دون سبب أو مبرّر، حين اعتبره “عارًا على السياسة اللبنانية”، في محاولة منه لـ”تبرئة” نفسه من تهمة “الخروج على المبادئ”، فقط من باب “النكاية بباسيل”، وهو ما ثبّته “الحكيم” للمفارقة بأدائه، حسب هذه الأوساط.
 
في المقابل، يعتبر المحسوبون على “القوات” أن باسيل هو “البادئ”، فهو الذي لا يوفّر فرصة من دون أن يهاجم جعجع، منذ أعلنت كتلة “الجمهورية القوية” نيّتها تقديم اقتراح قانون للتمديد لقائد الجيش، حرصًا على المؤسسة العسكرية، حيث يجاهر بوصفه بـ”غير المبدئي”، وأنّه يفعل ذلك فقط لاستفزاز باسيل، الذي يبدو أنّه يعتقد أنّ الكرة الأرضية “تدور من حوله”، علمًا أنّ القاصي والداني يعلم سبب “استنفار” باسيل غير المبرَّر، وخوفه على “الحيثيّة”.
 
ليس جديدًا أن يتساجل “التيار” و”القوات”، وأن يتبادل باسيل وجعجع الاتهامات، ويتقاذفا كرة المسؤولية، ولا جديدًا أن يعتمدا في سياق ذلك، أسوأ النعوت والأوصاف، وأكثر بعدًا عن التنافس الديمقراطي . لكنّ الجديد أنّ مثل هذا السجال، ولو استقطب المتابعين والمهتمّين، لن يزيد في “أسهم” أيّ منهما، فيما كلّ الأنظار مشدودة إلى “حرب” تكاد تطيح في طريقها بكلّ شيء، من دون استثناء!