هل يستطيع هوكشتاين لجم إسرائيل؟

22 نوفمبر 2023
هل يستطيع هوكشتاين لجم إسرائيل؟


لم يعد سرًّا ما تبيّته إسرائيل من نيات خبيثة تجاه لبنان. وما استهداف المدنيين ومن بينهم صحافيون سوى الامعان في استفزاز “حزب الله” لاستدراجه إلى حرب لا يزال يتجنبها من خلال عضّه على جرحه وممارسة أقصى درجات ضبط النفس والالتزام حتى اللحظة الأخيرة بسياسة ما يُعرف بـ “قواعد الاشتباك”، ولكن لسان حاله يقول “إنما للصبر حدود”، خصوصًا أنه يستطيع أن يكتفي بالردّ التقليدي على مواقع عسكرية للعدو، دفاعًا عن المدنيين الذين لا يزالون صامدين في منازلهم المتقدمة في القرى الحدودية، على رغم استخدامه في هذا الردّ صاروخ “بركان”، الذي أرعب الإسرائيليين. 

ولو لم تكن واشنطن على يقين من نيات إسرائيل تجاه لبنان، ولو لم تكن متأكدة وعلى علم مسبق بما تخطّط له منذ اليوم الأول لحربها على غزة، لما أرسلت كبير مستشاري البيت الابيض لشؤون أمن الطاقة العالمي، اموس هوكشتاين إلى تل ابيب في مهمة عاجلة وطارئة تهدف إلى لجم المؤشرات الخطيرة لإمكان انتقال شرارة الحرب من غزة الى لبنان. وتأتي هذه الزيارة في إطار المهمات غير العادية، بل هي بمثابة استشعار بالخطر المحدق بالمنطقة في حال انتقال الحرب من غزة إلى لبنان.  فمهمة هوكشتاين هذه المرّة تأتي بعدما شهدت خطوط المواجهة التقليدية على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية تطورات متسارعة، وكان آخرها استهداف المدنيين والصحافيين من قِبل إسرائيل، التي يبدو أنها فقدت السيطرة على ما تبقى لديها من أعصاب، وبدأت تتصرّف بهستيرية واضحة المعالم. وهذه العصبية المؤذية بنتائجها قد تقود إلى بداية حرب لا أحد يعرف كيف يمكن أن تتطور، وفي أي اتجاه، خصوصًا أن أكثر من مسؤول أممي أبدى خشيته من انعكاسات أي تطور عسكري على الجبهتين الشمالية والجنوبية على استقرار المنطقة بأسرها، في ضوء دخول الحوثيين على خطّ في ما تُعرف بـ “المنطقة الحمراء” في البحر الأحمر، الذي يعتبر من النقاط الاستراتيجية للحركة التجارة العالمية، وبالتحديد الأميركية، مع تصاعد العمليات العسكرية ضد القواعد العسكرية الأميركية في كل من العراق وسوريا. ولو لم تكن واشنطن قلقة إلى هذا الحدّ من توسع رقعة الحرب بعدما شهد ما يُسمّى بـ “الخط الأزرق على طول الحدود الجنوبية للبنان ردودًا موجعة ومكثفة من قِبل “حزب الله” على الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة، والتي تخطّت ما كان يُعرف بـ “قواعد الاشتباك”، الأمر الذي أقلق واشنطن ومعها الاتحاد الأوروبي، خصوصًا بعدما بدأت التطمينات بأن الحرب في غزة لن تنزلق إلى حرب تتلاشى تدريجيًا ليحّل القلق والخوف مكان الاطمئنان. ولو لم يكن هذا الخوف الأميركي في محّله لما استعجلت بإرسال هوكشتاين في مهمة غير عادية، وهو المتمرّس بالملف اللبناني – الإسرائيلي، مع العلم أن الإدارة الأميركية التي توفّر كل وسائل التغطية المادية والمعنوية لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، فإنها في الوقت نفسه لم تألُ جهدًا لمنع تمدّد حرب غزة إلى لبنان، ومارست أقصى الضغوط على تل أبيب للحؤول دون جرّ لبنان إلى مواجهة تعرف واشنطن مدى خطورتها ليس على لبنان وإسرائيل فحسب، بل على كل المنطقة، التي ستتحوّل إلى أرض محروقة اقتصاديًا على أقّل تقدير.     فإذا نجح هوكشتاين في نزع فتيل التفجير في تل أبيب فإنه سيزور بيروت حتمًا لإقناع الجانب اللبناني الرسمي بأهمية التزام “حزب الله” سياسة “ضبط النفس” حتى ولو استمرّت إسرائيل في افتعال ما يستوجب الردّ، وأن يعمل على سحب قوة “الرضوان” من على المواقع المتقدمة على الحدود الجنوبية. وهذا ما لا يقبل به “الحزب” لأنه يعتبر أن قوة “الرضوان” هي مصدر القلق الرئيسي لإسرائيل، وهو لن يتخّلى عن هذه الورقة أيًّا تكن الاعتبارات. ونسال مع السائلين عمّا إذا كانت الهدنة الإنسانية على جبهة قطاع غزة سيكون لها المفعول ذاته على الجبهة الجنوبية؟ وتزامن التحرك الأميركي الجديد مع الجلسة التي عقدها مجلس الأمن الدولي، والتي خصّصها للمشاورات المغلقة بالنسبة  إلى تنفيذ القرار 1701 في الجنوب اللبناني حيث قدمت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتيسكا التقرير عن هذا القرار في ظل التطورات الميدانية الأخيرة في الجنوب.