لم يأتِ التصعيد المستجدّ والخطير منعزلاً، بل ضمن سلسلة من الاستهدافات الإسرائيلية التي بلغت في اليومين الماضيين وتيرة غير مسبوقة أيضًا، يكفي للدلالة عليها أن حصيلة يومٍ واحدٍ من الاعتداءات ضدّ المواطنين والمدنيين تكاد توازي حصيلة شهر كامل، إن جاز التعبير، وإن ربطها البعض بالتصاعد في وتيرة عمليات المقاومة ضدّ المواقع الإسرائيلية في اليومين الماضيين، في سياق المواجهة المفتوحة مع العدو. لكنّ ما دفع كثيرين إلى استغراب جولة التصعيد المستجدّ على الحدود الجنوبية، يكمن في “توقيتها” الذي جاء تزامنًا مع أجواء سياسية كانت تميل إلى توقّع “تهدئة”، بالتوازي مع الحديث عن “هدنة” اقتربت في قطاع غزة بعد تسريبات عن نجاح الوساطات في التوصّل إلى اتفاق لتبادل الأسرى، وبالتزامن أيضًا مع زيارة المبعوث آموس هوكشتاين الذي أفادت معلومات أنّه حطّ في تل أبيب، لإقناع المسؤولين بعدم فتح “معركة” في جنوب لبنان. سيناريوهات “مفتوحة” إزاء ما تقدّم، طُرِحت العديد من علامات الاستفهام عن دلالات “التصعيد” على جبهة جنوب لبنان، والسيناريوهات المحتملة للمرحلة المقبلة، خصوصًا في ضوء توقّعات بأنّ ردّ “حزب الله” لن يكون بسيطًا، وهو كان واضحًا بإعلانه الصريح بأنّ هذه الجرائم “لن تمرّ من دون ردّ”، وسط مخاوف متجدّدة من أن يجرّ ذلك البلاد إلى “حرب” أوسع قد لا تحُمَد عقباها. يقول العارفون إنّ السيناريوهات قد تكون “مفتوحة” في هذا الصدد، فتطورات الأيام الأخيرة لا تندرج فعلاً في خانة “العمليات المضبوطة”، ما يعني أنّ خروج الأمور عن السيطرة قد لا يكون احتمالاً بعيدًا، خصوصًا إذا ما واصلت إسرائيل جرائمها من دون اكتراث لقانون أو مجتمع دوليّ، علمًا أنّ هناك من لا يستبعد أن يكون العدو بوارد الاستفادة من “الهدنة” في غزة، إن أبرِمت، لـ”تصفية الحسابات” مع “حزب الله”. لكنّ هذه الفرضية، وإن وُجِدت، لا تزال تصطدم بواقع أنّ انزلاق الأمور إلى هذا المستوى من الحرب ليس في “مصلحة” إسرائيل على الإطلاق، ولو حاولت أن تجاهر بخلاف ذلك، فالهدنة التي يُحكى عنها في غزة ليست “نهاية الحرب”، كما يريدها الاحتلال، لأنّها ستُعتبَر “هزيمة” بالنسبة إليه، وهو يدرك أنّ ما يواجهه على جبهته الشمالية من جهة “حزب الله” ليس سوى “غيض من فيض” ما يخبئه له، في حال تطبيق استراتيجية “وحدة الساحات”. لا يبدو التصعيد المستجدّ على الجبهة الجنوبية، على صعوبته وحساسيّته وخطورته، مع ارتفاع “فاتورة الدم” التي يدفعها المدنيون والصحافيون قبل المقاتلين والمقاومين، مفاجئًا لكثيرين، ولا سيما ممّن يعرفون التكتيكات الإسرائيلية، القائمة على القتل والترويع للهروب من المأزق. لا يعني ذلك أنّ “الحرب الشاملة” باتت على الأبواب، يجزم العارفون، وإن كانوا يؤكّدون أنّ كل السيناريوهات تبقى واردة، والتحسّب لها أكثر من واجب!