وقت مستقطع.. هل تفتح هدنة غزة الباب على تسوية شاملة؟

24 نوفمبر 2023
وقت مستقطع.. هل تفتح هدنة غزة الباب على تسوية شاملة؟


 
تنفّس العالم الصعداء مع الإعلان عن التوصّل إلى اتفاق على هدنة إنسانيّة لمدّة أربعة أيام قابلة للتمديد في غزة، يشمل وقفًا لكل العمليات العسكرية وحتى الاعتقالات في القطاع المُحاصَر، ويتخلّله تبادلٌ للأسرى والأسيرات من النساء والأطفال لدى حركة حماس، أو من الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بعد أكثر من شهر ونصف الشهر من حرب “مدمّرة”، أعقبت عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها الفصائل في غلاف غزة.

 
تنفّس العالم الصعداء مع الإعلان عن الهدنة للعديد من الأسباب والاعتبارات، الإنسانيّة بالدرجة الأولى، خصوصًا أنّ “الفاتورة الثقيلة” التي دفعها فلسطينيّو غزة منذ بدء الحرب ما عادت تُحتمَل، في ظلّ صمت دوليّ أقرب إلى “التواطؤ”، خصوصًا بعد انتهاك إسرائيل لكلّ المعاهدات والاتفاقيات، بل للقانون الدولي الإنساني، واستهدافها المباشر للمدنيين، وصولاً لحدّ اعتبار المستشفيات التي ما عادت تعمل أصلاً، “أهدافًا عسكرية مشروعة”، بلا حسيب أو رقيب.
 
وإذا كان السؤال الأكبر الذي طُرِح لبنانيًا خلال اليومين الماضيين تمحور حول مدى “انعكاس” هذه الهدنة اللبنانية، وما إذا كانت مفاعيلها ستسري على جبهته الجنوبية التي شهدت تصعيدًا غير مسبوق في المرحلة الأخيرة، فإنّ علامات استفهام بالجملة طُرِحت حول “مآلات” هذه الهدنة، فهل تكون مجرّد “وقت مستقطع” كما يوحي المسؤولون الإسرائيليّون، أم تفتح الباب على “تسوية شاملة” تمتدّ من قطاع غزة إلى جنوب لبنان؟
 
“إنجاز للمقاومة” 
يقول المتابعون إنّ ما تحقّق على مستوى الهدنة الإنسانية، يشكّل بلا شكّ إنجازًا للمقاومة الفلسطينية، و”هزيمة معنوية” بالحدّ الأدنى للعدو الإسرائيلي، الذي كان يرفض البحث بأيّ وقف ولو مؤقت لإطلاق النار، ويشترط إطلاق سراح جميع الرهائن قبل أيّ نقاشٍ آخر، علمًا أنّ هناك من يعتقد أنّ الحكومة الإسرائيلية رضخت لضغوط أهالي الأسرى، ولا سيما أنّ المجريات على الأرض أوحت بأنّ الملف لا يشكّل “أولوية” بالنسبة إليها على الإطلاق.
 
ويتوقّف المتابعون عند “شروط” الهدنة ليؤكدوا على “الإنجاز”، فإسرائيل هي التي “تنازلت”، في حين أنّ المقاومة بقيت منسجمة مع ما تقوله منذ اليوم الأول، وهي التي كانت تعلن صراحةً انفتاحها على صفقة لتبادل الأسرى، وهو ما حصل، علمًا أنّ اقتصار “الصفقة” على 50 محتجزًا من النساء والأطفال لا يشكّل “تناقضًا” مع مطلب المقاومة بإطلاق كلّ الأسرى في سجون إسرائيلية، خصوصًا أنّ معادلة “50 إسرائيليًا مقابل 150 فلسطينيًا” تبدو واضحة أيضًا.
 
ويبقى الأهمّ من كلّ ذلك، وفق المطّلعين، أنّ الجانب الإسرائيلي ذهب إلى وقفٍ لإطلاق النار، ولو بصيغة “مؤقتة”، قبل تحقيق ولو جزء يسير من “الأهداف المُعلَنة” من الحرب، والتي لا تزال بعيدة عن التحقق، وعلى رأسها “القضاء على حركة حماس” كقوة سياسية وعسكرية كما يردّد المسؤولون الإسرائيليون ومعهم الأميركيون، الذين لا يوفّرون فرصة إلا ويستغلّونها لنقاش “اليوم التالي” للحرب، ومن سيحكم قطاع غزة بعدها.
 
“الحرب لم تنتهِ”؟ 
لكن، عطفًا على ما تقدّم، يحرص المتابعون على التأكيد أنّ اتفاق الهدنة الإنسانية الذي تمّ التوصل إليه بوساطة قطرية ومصرية، لا يعني بالمُطلَق أن الحرب “انتهت”، بل أنّ جولة منها هي التي انتهت، ولو أنّ ثمّة انطباعًا بأنّها “الجولة الأقسى والأكثر دمويّة”، لأنّ “الاندفاعة” لا بدّ أن تتراجع بعد انتهاء الهدنة، التي قد يوحي مجرّد الالتزام بها وجود “استعداد” لدى كلّ الأطراف لبحث “المَخرَج الملائم” من هذه الدوّامة.
 
هنا، يشير العارفون إلى أنّ “الوساطات” لن تخمد على امتداد أيام الهدنة، بل على العكس من ذلك، قد يشكّل “الوقت المستقطع” الذي توفّره، فرصة “مثالية” للبحث إما بتمديدها كمرحلة أولى، أو توسيعها ليصار إلى وقف “دائم” لإطلاق النار، ولو أنّ المطلب لا يزال يصطدم باعتراض إسرائيلي وغربي، من بعض الدول التي تصرّ على وجوب الذهاب إلى “حلّ جذري” للصراع في الشرق الأوسط، حتى لا نكون مع جولة جديدة في غضون أشهر.
 
لكنّ هذا “الحلّ الجذري” الذي يطالب به البعض قد لا يكون “الخيار العسكري” هو الوسيلة الأفضل للوصول إليه، وفق ما يقول هؤلاء، باعتبار أنّ 45 يومًا كانت كافية لإثبات العجز الإسرائيلي عن تحقيق النتائج، حتى باعتماد تكتيك “الانتقام” من الشعب بأسره، وهو ما قد يفتح برأي البعض الباب أمام البحث بـ”تسوية سياسية” لا تقف عند حدود غزة، بل تشمل لبنان، بوصفه أكثر من مجرّد “جبهة مسانِدة” لغزة، كما يعرف القاصي والداني.
 
لم تنتهِ الحرب في غزة بالمطلَق إذًا، ولن تخمد معها المواجهات الدائرة في “جبهة الإسناد” في جنوب لبنان، التي تبقى مرشّحة للانفجار من جديد في أيّ لحظة. مع ذلك، قد تكون “الهدنة الإنسانية” بابًا أمام بحث “مصير” هذه الحرب، التي ثبُت أنّها لن تحقّق شيئًا، أكثر من القتل والترويع، الذي يستهدف المدنيّين بالدرجة الأولى، فهل ينجح الوسطاء في فرض “نهاية” لهذه الحرب، أم أنّ كلّ شيء يعود إلى ما كان عليه بعد انقضائها؟!