يمكن القول إن الجبهة الجنوبية الساخنة هدأت بـ “سحر ساحر”، أو بالأحرى بفعل “السحر”، الذي مارسته واشنطن على تل أبيب، وذاك الذي قادته طهران في اتجاه “حارة حريك”. آموس هوكشتاين زار إسرائيل وطلب من حكومة نتنياهو الالتزام أولًا بالهدنة في غزة، التي كان لقطر فيها اليد الطولى، وثانيًا تبريد جبهتها الشمالية، ووقف اعتداءاتها على الجنوب اللبناني. أمّا وزير خارجية إيران حسين عبد الأمير اللهيان فزار لبنان، وكان له لقاء مطّول مع الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله، وطلب منه اللجوء إلى “فترة استراحة المحارب”، وترك المدافع تبرد قليلًا، في انتظار ما يمكن أن يستجدّ من تطورات ميدانية في غزة بعد انقضاء أيام الهدنة القصيرة.
Advertisement
ما يمكن قوله في هذا الصدد أن الديبلوماسيتين “الهوكشتانية” و”اللهيانية” فعلت فعلها في ما يخصّ تبريد جبهة المواجهة، التي كادت تصل إلى مستوى من التصعيد غير المسبوق عبر توسيع إطار القصف متخطّيًا المفهوم التقليدي لما يُعرف بـ “قواعد الاشتباك”، مع تنامي الخشية الدولية في مرحلة من المراحل من أن يدخل لبنان غصبًا عنه في حرب لا يريدها، ويكون لها تأثير على مستقبله، مع ارتفاع منسوب التوتر في المنطقة كلها، باعتبار أن شرارة الحرب، في حال امتداها إلى كل لبنان، ستشمل دول المنطقة بأسرها.
لا شكّ في أن نجاح كل من واشنطن وطهران في تبريد جبهة القتال الجنوبية (لبنان) والشمالية (الأراضي الفلسطينية المحتلة) لم يكن للصدفة فيها مكان، بل جاء نتيجة تنسيق متواصل بين الديبلوماسيتين الأميركية والإيرانية، فكان لتوزيع الأدوار بينهما الأثر الإيجابي في التوصل إلى هدنة غير معلنة بين “حزب الله” وإسرائيل، فهدأ المدفع وتوقف القصف المتبادل من دون سابق انذار، وعادت الحياة إلى ما يشبه طبيعتها في القرى المتقابلة على الحدود.
وإذا كان لمفعول التدخل المتوازي لكل من واشنطن وطهران هذا التأثير على طرفي الصراع فإن لا شيء يمنعهما من التوصّل في المستقبل القريب إلى تمديد الهدنة المؤقتة، سواء في غزة أو على الجبهة الجنوبية – الشمالية، والانتقال من مرحلة التقاتل إلى مرحلة متقدمة من الحلول السياسية، خصوصًا بعدما تبّين للإسرائيليين أن القصف المتواصل طيلة 48 يومًا لم يؤدِّ سوى إلى تهديم المنازل والمستشفيات والمدارس، ولم يستطع أن ينال من قدرة “حماس” على الصمود والمواجهة، وبعد تنامي حركة الاعتراض داخل إسرائيل على سياسة حكومة نتنياهو القائمة على العنف.
أمّا في ما خصّ الجبهة الجنوبية – الشمالية المرتبطة عضويًا بما يجري في غزة فإن مفتاح تسخينها أو تبريدها قد بات في جيب كل من واشنطن وطهران. وقد يقود التفاهم الأميركي – الإيراني في مراحل لاحقة إلى تكريس واقع قد يكون شبيهًا إلى حدّ كبير بما كان سائدًا بين “حزب الله” وإسرائيل بعد حرب تموز، وإن كان الالتزام بما ورد في القرار 1701 صوريًا، خصوصًا أن طرفي النزاع لم يتقيّدا به، وتصرّفا على أنه ليس موجودًا، وتوافقا من دون أن يتفقا على اعتباره “لزوم ما لا يلزم”.
فالإصرار على التهدئة بين الإيرانيين والأميركيين يدّل على تقاطع في القراءات والأهداف، لا سيما بعد معلومات عن حصول مفاوضات مباشرة بين الطرفين في جنيف، ومفاوضات غير مباشرة في سلطنة عمان، غايتها تكريس الهدوء ومنع توسع الصراع.
ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن جبهات القتال ستبقى هادئة إلى أمد طويل.
وحدها الحكومة الإسرائيلية هي التي تريد استمرار القتال. ولكن الضغط الأميركي سيتزايد في المرحلة المقبلة في سبيل منع ذلك، والذهاب إلى تشكيل حكومة اسرائيلية جديدة.