يخصص العالم، الفترة الممتدة ما بين 25 تشرين الثاني والعاشر من كانون الأول من كل عام، لمناهضة العنف ضد المرأة، حيث تطلق هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، حملة الـ 16 يوماً من الأنشطة لمكافحة هذا العنف، وتسليط الضوء على قضية حماية النساء والفتيات في لبنان، وذلك للتشديد على أهمية إيلاء هذه القضيّة الاهتمام المطلوب في ظل الأزمات المتتالية التي تعاني منها البلاد.
وفي هذا الاطار، عرّف المحامي ميشال فلاّح، الباحث في قضايا حقوق المرأة والطفل، العنف المُمارس ضد المرأة بأنه “أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس، ويترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسدية أو الجنسية أو النفسية”، وذلك ما أكدت عليه الامم المتحدة. وقد سعت المنظمة الدولية إلى مكافحة هذه الظاهرة، واعتمدت في قرارها 48/104 الإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة، وحددت يوم 25 تشرين الثاني “اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة” لتعريف الشعوب والمجتمعات الى خطورة هذه الظاهرة التي تسببت بمقتل نساء كثيرات حول العالم.”وكشف فلاّح أن “العنف ضد المرأة ظاهرة عالمية لا تقتصر على مجتمع دون آخر. وتشير الاحصاءات إلى أن إمرأةً من كل اثنتين تتعرض للعنف في العالم.وفي لبنان، شكّلت الأوضاع المعيشية والصحية والاقتصادية الصعبة، خلال السنوات الماضية وتحديداً أكثر، خلال جائحة الكورونا، سببًا رئيسيًا في ارتفاع معدّلات الجرائم، ومن أبرزها جرائم العنف ضدّ النساء والفتيات. وفي حين أنّ هذه الجرائم ليست قضيةً خاصة، بل قضية مجتمعية ووطنية، يصبح التصدّي لها مسؤولية جماعية أيضًا، وبالتالي لا بدّ من رفع الصوت ونشر الوعي والإضاءة على سبل التبليغ ومساندة الناجيات.”أما عن القوانين الحمائية، فاعتبر فلاّح أن “القوانين تُمثّل عنصراً رادعاً في مكافحة العنف ضد المرأة، إلا أن الزيادة الصادمة في العنف ضد المرأة، أظهرت أن النظرة الى المرأة لا تزال تخضع لمنظمومة من التقاليد والأعراف تحكمها العقلية الذكورية. فالتنشئة الأسرية لها دور كبير في تكريس المساواة بين الرجل والمرأة، أو تكريس النظرة الدونية إلى المرأة كجزء من الفئات المهمشة التي من المقبول إجتماعياً تعنيفها أو مصادرة رأيها.”وبالنسبة إلى القانون الذي يحمي المرأة وسائر أفراد الأسرة من العنف في لبنان، يأتي القانون رقم ٢٩٣/٢٠١٤، اضاف فلاّح، “فهو ينقسم إلى قسمين، عقابي وحمائي: في الاول يشدّد العقوبات على بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات اللبناني في حال ارتُكبت بين أفراد الأسرة، كما يجرّم الضرب والإيذاء.وفي الثاني يشمل أمر الحماية الذي يمكن للضحيّة طلبه بهدف إبعاد المعنِّف عنها وعن أطفالها عبر إبعاده عن المنزل، أو نقلها مع أطفالها الى مكان آمن.”وهذا القانون لا يجرّم فعل إكراه الزوجة على الجماع أو الاغتصاب الزوجي بحد ذاته، إنّما الضرب والإيذاء والتهديد التي يلجأ إليها الزوج للحصول على “الحقوق الزوجية”. ولكي يُعاقب المعنِّف، يجب أن تتقدّم السيدة بشكوى قضائية، في حين أن إسقاطها للشكوى يوقف ملاحقة المعنِّف.أما العلاقات التي لا يشملها قانون 293 فهي الزواج السابق، اذ لا يشمل القانون الزوج السابق علماً أن المرأة غالباً ما تبقى مُهدَّدة من قبله.كما تحدث قانون العقوبات اللبناني عن جرائم العنف الجنسي، وهي المدرجة ضمن الفصل السابع منه، والتي تنص على سلسلة عقوبات تجاه حالات مختلفة من الاعتداءات الجنسية، وتميز بين الاعتداء على البالغ أو القاصر، وتشدد العقوبة كلما كانت الضحية أصغر عمراً. فتنص المادة 503 من قانون العقوبات، مثلاً، على معاقبة “من اكره غير زوجه بالعنف والتهديد على الجماع بالاشغال الشاقة خمس سنوات على الأقل، ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات اذا كان المعتدى عليه لم يتم سن الخامسة عشر .”بالمقابل، يعتبر فلاّح أن “العديد من النساء كسرّن حاجز الصمت، خصوصاً بعد إقرار قانون “حماية النساء وباقي أفراد الأسرة” الرقم 293 الذي أقر في 2014، وبعد حملات التوعية التي تقوم بها منظمات تعنى بشؤون المرأة. لكن، في المقابل، ما تزال العوائق أمام حماية المرأة كبيرة. فالمشكلة ليست في وجود قوانين، بل في تطبيقها والتساهل مع مرتكبي العنف، وفي اعتراف المجتمع بأن الخلافات الأسرية قابلة للحل عن طريق المحاكم، وليست حالات خاصة يحكمها مبدأ “العيب” و”التستر”.وفي هذا السياق، يُعتبر “العرض والشرف”، هاجساً يمنع 6 من أصل 10 نساء تعّرضن للاعتداء الجنسي في لبنان من التبليغ عن الجريمة، فيما 71% منهن يعتبرن أن المجتمع يرى بالدرجة الأولى في الجريمة، اعتداءً على “عرض العائلة”، قبل أن يكون اعتداء جسديا ونفسيا على المرأة. “وختم المحامي ميشال فلاّح مؤكداً” أننا لا يجب أن ننسى “الأطفال الذين يعيشون في أسرة معنفة على أنهم ،ضحايا الظل، لما للعنف الذي تتعرض له الأم من انعكاسات خطرة على نفسية الطفل، وأخطرها عندما يقوم الطفل بتبرير العنف ويطمح لتبني أفكار والده. أما الطفلة فقد تتكون لديها قناعة بكونها ضحية، وأن العنف هو ظاهرة معتادة ومقبولة.”