شريك مفاوض أم ملفّ للتفاوض؟

29 نوفمبر 2023
شريك مفاوض أم ملفّ للتفاوض؟


كتبت هيام قصيفي في” الاخبار”: حركة الموفدين بدأت جدياً العمل على ما يرسم للبنان من تطلّعات، لأن مرحلة ما بعد غزة ستترك تأثيراً مباشراً على ما يعدّ من سيناريوات تتعلق بالمناطق المحاذية لإسرائيل. ولا يقلّل الموفدون إياهم من خطورة انعكاس حرب غزة التي تتعدّى الأطر العسكرية بمفهومها العملاني، لتعيد طرح مستقبل الصراع بين إسرائيل من جهة وكل خصومها من جهة أخرى، بما في ذلك حزب الله حكماً. ولأن لبنان اعتاد أن يتلقى كل مفاعيل المتغيّرات في المنطقة منذ التسعينيات، من العراق الى سوريا، فلن يكون في مأمن مما سينبثق عن غزة. لذا، يأتي الحثّ الفرنسي من ضمن حركة أوسع لدفع لبنان ليكون أكثر فاعلية في الدخول الى عمق المفاوضات، كشريك مفاوض في ما يدور في المنطقة، لأن غيابه سيجعل منه ملفاً تفاوضياً بين القوى الإقليمية والدولية، من دون أن يمتلك أي تأثير على المسارات. ويتمحور الاهتمام الغربي، مع عواصم عربية، على تفعيل هذا الشق المهم الذي من شأنه أن ينتزع لبنان من أي مساومات قد تتم على حسابه. وتتزايد الخشية من أن تداعيات حرب غزة تترك مساراً مستجداً في الحالة الإقليمية، وهي بدأت بخطوات تدريجية، ويتوقع أن تستمر طويلاً على إيقاع متحرك يشمل دولاً عدة، لكل منها مصالحها.

وفي ما يخص لبنان، فإن الملفات المتعلقة به ستظهر تباعاً. وفي هذا المجال، يُستعاد تلقائياً البحث في الرئاسيات، ومعها صفقة كاملة يمكن أن ترسو عليها بحسب ما تخلص إليه المستجدات التفاوضية. من هنا، ترتفع حدة التحذير الخارجي بضرورة التنبه إلى ما قد ترسمه الحرب الحالية، بدءاً من تجديد تنفيذ 1701 وصولاً الى ترجمة شكل التفاوض والمشاركين فيه، وكيف يمكن للبنان أن يصبح لاعباً فعلياً في أي قرار يتعلق بمستقبله. فتدهور الأوضاع اللبنانية على الصعد والمؤسسات كافةً، يجعل العمل على الملف الرئاسي الخطوة الأولى الأساسية في مواجهة الانهيار المتزايد الذي بات ذريعة في يد المفاوضين لإطلاق عملية كاملة حوله.
لكن المشكلة التي تعرفها فرنسا وغيرها من الدول العربية التي تهتم بالشأن اللبناني، أن الغياب اللبناني أصبح فاقعاً الى الحدّ الذي لم تثر فيه المخاوف التي ترافقت مع بدء حرب غزة، أي ردود فعل على قدر التحذيرات التي وصلت الى المسؤولين الرسميين والقيادات كافة ومن مختلف اتجاهاتها، الموالية لحزب الله والمعارضة له. ولأن لا حركة داخلية توازي مستوى الخطر الداهم والخوف من تكرار التاريخ نفسه كما في محطات سابقة، فإن فرنسا وعواصم عربية تحاول مجدداً إعادة لبنان الى دائرة الاهتمام، مع اعترافها المسبق بأنها لا تعوّل على كون القيادات اللبنانية على قدر المسؤولية في مواجهة ما يقبل عليه لبنان.