استهداف مواقع الجيش ليس مجرد غلطة إسرائيلية

7 ديسمبر 2023
استهداف مواقع الجيش ليس مجرد غلطة إسرائيلية


لم يرَ أحد أوقح من إسرائيل. تقتل القتيل وتمشي في جنازته. وقاحة ما بعدها ولا قبلها وقاحة. لم يسبقها في هذا المجال أحد. لا هولاكو ولا نيرون ولا حتى هتلر. أطفال غزة يسقطون كل يوم بالمئات. شيوخها يشرّدون. نسائها نشّف الدمع في أحداقهن. الأرض تزلزلت. البيوت والمستشفيات والمدارس امست خرابًا. ومع كل هذا تستمرّ الالة الإسرائيلية في تجّبرها، الذي سيقود المنطقة إلى حرب طويلة الأجل لن يعرف أحد كيف ستنتهي، وهل يعتقد الإسرائيليون أنهم إذا رحّلوا الفلسطينيين إلى خارج القطاع والضفة سيعرفون طعم الراحة، وهل سيهنأ لهم عيش، وهل تنتهي القضية الفلسطينية بمجرد أوهام تراود نتنياهو وحكومته المتطرفة، والتي لا تستطيع أن ترى أبعد من أصبعها. 

 
 وبالانتقال من غزة إلى جنوب لبنان، فإن الاستفزازات الإسرائيلية متواصلة، وكان آخرها أمس الأول باستهداف موقع للجيش، حيث سقط له أول شهيد على أرض الجنوب، وأصيب معه ثلاثة عسكريين، في يوم التهبت فيه الجبهة على امتداد “الخطّ الأزرق”، وهو الأعنف والأشمل منذ بداية الاعتداءات الإسرائيلية وردّ “حزب الله” عليها. وهذا ما دفع أكثر من مراقب إلى التخوّف مما تخطّط له إسرائيل، بالتوازي مع ما يُبذل من مساعٍ لتجنيب لبنان الانزلاق إلى حرب واسعة وشاملة، ولكن من دون أن يلقى الساعون إلى الخير أي ضمانات أكيدة بالنسبة إلى قدرة القادرين على لجم إسرائيل ومنعها من القيام بأي مغامرة من شأنها اشعال المنطقة كلها وليس الساحة اللبنانية فحسب. وهذا ما لا تحسب له تل أبيب أي حساب. ووسط هذا الكمّ من التهور من الجانب الإسرائيلي دفع الجيش مرّة جديدة ضريبة دم لم يبخل يومًا في بذلها لغايات سامية، وهو المؤتمن على أمن اللبنانيين واستقرارهم على كل شبر من تراب الوطن، فأنضم العريف عبد الكريم المقداد إلى قافلة شهداء “الشرف والوفاء والتضحية”.  
 
فعناصر الجيش الموجودون في أكثر من منطقة جنوبية هم على أرض لبنانية، وهم موجودون حيث يجب أن يكونوا. وليس غريبًا أن يكونوا عرضة للعدوان الإسرائيلي الأعمى، الذي سقط ضحيته صحافيون ومدنيون. ولكن ما هو مستغرب ومستهجن أن يقدم العدو على ابداء أسفه واعتذاره لسقوط شهيد للجيش فيما ” كانت قواته تعمل لتحييد تهديد ملموس جرى تحديده عند نقطة للمراقبة والإطلاق تابعة لـ “حزب الله” اللبناني على الحدود عندما نفذ هجوما”. وجاء في البيان: أن “القوات اللبنانية (الجيش) لم تكن هدفا للهجوم… الجيش الإسرائيلي يأسف للحادث، وسيتم التحقيق فيه”. فهذا الاعتذار الوقح، الذي لن يعيد الشهيد العريف إلى أهله، مرفوض في الشكل وفي المضمون. وهذا الرفض يترافق مع تحذير فرنسي من خطر كبير لتصعيد الحرب الإسرائيلية على لبنان وانزلاق الوضع القائم في الجنوب الى تصعيد يشكل كارثة على لبنان لان الوضع في إسرائيل وفي الجنوب اللبناني على حدّ سواء ليس كما كان عليه في ٢٠٠٦. لم يكن استهداف مواقع الجيش، في رأي المراقبين، مجرد غلطة. فالنيات الإسرائيلية بتوسيع دائرة الصراع جدّية إن لم تنجح محاولة إبعاد المقاومة الى منطقة شمال الليطاني، بهدف “تأمين الاستقرار لمستوطنات الشمال”، وفق ما أشارت التحذيرات الغربية. فاستهداف هذه المواقع يحمل الكثير من الهواجس والمخاوف، لانّ ما يحصل على الحدود الجنوبية بعد الهدنة الاخيرة في غزة، يشي بمزيد من الاشتباكات والمعارك الضارية، وفق خطّة إسرائيلية ممنهجة. وفي ها الإطار جاء موقف الرئيس ميقاتي قال خلال استقباله اعضاء السلك القنصلي، الذي قال “نحن في عين العاصفة وفي وضع لا نحسد عليه، وهناك اضطراب قوي في المنطقة ككل، خصوصا على صعيد ما يحدث في غزة، وعلى الحدود الجنوبية مع العدو الاسرائيلي. كل همّي في هذه المرحلة أن أجنّب لبنان، قدر المستطاع، الدخول في آتون الحرب”. 
 
فهل تنفع لمساعي الدولية في لجم إسرائيل ومنعها من تحقيق ما تسعى إليه؟