بري رابح من صراع التيار والقوات.. كيف ذلك؟!

12 ديسمبر 2023
بري رابح من صراع التيار والقوات.. كيف ذلك؟!


على خلفية ملف التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، والفرز الذي يولّده على الساحة السياسية، يستمرّ “الصراع” على أشدّه بين “التيار الوطني الحر” بقيادة جبران باسيل و”القوات اللبنانية” بقيادة سمير جعجع، في ضوء رفض الأول للتمديد بالمُطلَق، واعتباره أنّ ثمّة “بدائل” قانونية مُتاحة، وإصرار الثاني على أنّ “لا خيار” سوى التمديد، لتفادي شغور من شأنه تعريض المؤسسة العسكرية برمّتها للخطر.

Advertisement

 
وعلى وقع هذا “الصراع”، يستمرّ أيضًا التجاذب بين الطرفين، مع كلّ ما يتخلّله من تبادل للاتهامات، وتقاذف للمسؤوليات، وهو ما يتجلّى في حديث “القوات” عن “نكايات شخصية” خلف موقف باسيل، الذي لا همّ له سوى “إزاحة” القائد من المشهد السياسي، لأسباب “رئاسية”، وحديث “التيار” في المقابل، عن “انصياع جعجع للإملاءات الخارجية”، ولو جاءت “مناقضة” للمبادئ والثوابت التي يرفع لواءها.
 
وبانتظار الجلسة التشريعية التي يتوقّع أن تكرّس هذا الصراع على أرض الواقع، سواء أقرّ التمديد أم لا، وسواء أقر بالصيغة “القواتية” أم لا، وسواء طعن “التيار” بالقانون أم لا، فإنّ ثمّة من يعتقد أنّ “الرابح الأكبر” من هذه “المواجهة” لن يكون لا جعجع ولا باسيل، بل رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي سيكون قادرًا على ضرب أكثر من عصفور بحجر، فكيف ذلك؟ وهل يكون استحقاق قيادة الجيش “انتصارًا” له بالفعل؟!
 
تأكيد المؤكّد 
لعلّ المكسب الأهمّ الذي يقدّمه كلّ من رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، يتمثّل في “تأكيد المؤكد” الذي يتحدّث عنه بري منذ اليوم الأول لفتح “معركة” التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، حيث يتمسّك رئيس البرلمان بثابتة أنّ الخلاف “مسيحي مسيحي”، وأنّ على القادة المسيحيين التفاهم فيما بينهم بالدرجة الأولى، من أجل حلّ الإشكالية.
 
يذكّر العارفون كيف أنّ المعنيّين على الساحة المسيحية سارعوا لنفي الأمر، بل هاجموا رئيس مجلس النواب بسبب هذا الكلام، لكنّ المجريات بعد ذلك ثبّتته بصورة أو بأخرى، بدليل الصراع الدائر بين “القوات” و”التيار”، والذي يبدو أنه بلغ ذروته، بل تجاوزها إلى حدّ بعيد، في حين أنّ الكتل غير المسيحية لا تبدي التشدّد نفسه، بل تُظهِر كلّ “مرونة” من أجل الوصول إلى حلّ وسط يُرضي في مكانٍ ما جميع الأطراف.
 
برأي هؤلاء، فإنّ ما يجري على خط استحقاق قيادة الجيش بين القوى المسيحية “يقوّي” موقف بري من سائر الاستحقاقات، وبينها استحقاق رئاسة الجمهورية، فالمسيحيون هم الذين عطّلوا مبادرته الحواريّة من أجل التفاهم على انتخاب رئيس، وهم بالتالي من يتحمّلون مسؤولية إطالة أمد الفراغ في قصر بعبدا، وهم في الوقت نفسه غير قادرين على التفاهم في ما بينهم، وتقديم حلّ “جدّي”، بعيدًا عن “تقاطع” يدرك الجميع أنّه لم يكن حقيقيًا.
 
“تشريع الضرورة” 
لكن، أبعد من المكاسب “المعنوية” التي يحققها بري من صراع “القوات” و”التيار”، بحسب ما يقول العارفون، ثمّة مكاسب “مادية”، إن جاز التعبير، استطاع تحقيقها، من خلال انتزاع مواقف للطرفين في هذا الاستحقاق “تناقض” مواقف أطلقوها في استحقاقات سابقة، بل كانت سببًا في حملات شرسة أطلقوها في وجه القوى الأخرى، ولا سيما رئيس مجلس النواب، ومن بينها، أو على رأسها ما يرتبط بـ”تشريع الضرورة”.
 
ولعلّ أهمّ “انتصار” يحقّقه بري في هذا السياق، هو انتزاع “اعتراف” من جانب “القوات اللبنانية” بوجود “تشريع الضرورة”، بعد أن كان “القواتيون” ينظّرون طيلة الأسابيع الماضية بأنّ التشريع غير جائز بالمطلق في ظلّ الفراغ في رئاسة الجمهورية، وأنّ مجلس النواب أصبح “هيئة ناخبة حصرًا”، ولا يحقّ له القيام بأيّ أمر آخر، مهما كان هذا الأمر، وهو ما تسلّحوا به حتى في رفض إقرار قوانين تهمّ المواطنين وتسيّر شؤونهم.
 
ولأنّ هذا “المنطق” لا يقنع بري، هو الذي يصرّ على ضرورة استمرار التشريع، خصوصًا أنّ الفراغ الرئاسي يبدو بلا أفق، ولا يمكن إبقاء كلّ الأمور الأساسية “رهينة له” إذا ما تقاعس المعنيّون عن استكمال واجباتهم فإنّه يرى في موقف “القوات” انتصارًا لمنطقه، إذ إنّها تبرّر نيّتها حضور الجلسة التشريعية بـ”الضرورة”، ما يعني أنّها تسلّم بـ”تشريع الضرورة”، وهو الأمر الذي سيبني عليه رئيس مجلس النواب في القادم من الأيام بطبيعة الحال.
 
يسري الأمر نفسه على باسيل الذي، وإن أقرّ بـ”تشريع الضرورة” بصورة نسبية، قدّم “تنازلاً” هو الآخر، حين اقترح أن تعيّن الحكومة قائدًا جديدًا وأصيلاً للجيش، بعد ان كان قبل أسابيع قليلة يشنّ الحملات على بري وغيره على خلفية طرح تعيين حاكم جديد وأصيل لمصرف لبنان، لتثبّت هذه الوقائع مرّة أخرى طغيان “المصلحة” على “المبدئية” في السياسة، بمعزل عن الشعارات “الجذابة” التي يحلو للبعض رفعها!