أعاد التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، مع كلّ ما أحاط به من “ضجّة” أثارها الانقسام السياسي في مقاربته بين “التيار الوطني الحر” وسائر الأفرقاء، وما تخلّله من “تحريك” لقنوات التواصل بين مختلف الكتل السياسية، “الحركة” على خطّ السياسة الداخلية، إن جاز التعبير، بعد “جمود طويل” بدأ منذ ما قبل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وترجمتها اللبنانية على شكل اشتباكات ومناوشات في الجنوب.
وجاءت زيارات الموفدين الدوليين إلى لبنان، وما انبثق عنها من “تسريبات” أوحت أنّ “طيف” الرئاسة كان حاضرًا في صلب محادثاتها، ولو غاب عن البيانات الرسمية، لتؤكد على وجود مثل هذه “الحركة”، التي عزّزتها المصادر الصحفية التي تقاطعت عند الحديث عن “رهانات” على حراك دوليّ سيتكثّف مع مطلع العام المقبل، في ظلّ ترقّب زيارة جديدة للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، قد تختلف “نوعيًا” عن سابقاتها.
وسرعان ما ترجمت هذه “الحركة” أيضًا على المستوى السياسي، حيث برزت العديد من التصريحات لأطراف معنيّين بالرئاسة، وقد أيقظت الاستحقاق المنسيّ من “سُباته”، إن جاز التعبير، وإن أبقت على “ثبات” المعادلات السابقة، والشروط التي قيّدت الاستحقاق وكبّلته في مكانٍ ما، فهل تبقى “الحركة” المرصودة هذه الأيام على خط الاستحقاق الرئاسي، كسابقاتها، بلا بركة، أم أنّ “بركة ما” ستفضي هذه المرّة إلى تصاعد الدخان الأبيض؟
إرادة دوليّة واضحة
لا يخفى على أحد أنّ “الحركة” التي سُجّلت على خط الملف الرئاسي في الأيام القليلة الماضية انطلقت بشكل أساسي من “الاستنفار الدولي” على الجبهة اللبنانية، حتى لو بدا في الظاهر متركّزًا على التطورات العسكرية في الجنوب، والتهديدات الإسرائيلية المتصاعدة، والمخاوف من انزلاق البلد برمّته إلى صراعٍ جديد، خصوصًا في ضوء عودة الحديث عن القرار الدولي 1701، بين مطالبين بتعديله، وداعين إلى تطبيقه بالدرجة الأولى.
لكن لا يخفى على أحد أيضًا أنّ الملف الرئاسي حضر في صلب الاهتمامات الدولية، في ظلّ إرادة دولية واضحة بوجوب إنجاز الاستحقاق في أقرب وقت ممكن، لأنّ انتخاب الرئيس اللبناني يُعَدّ برأي كثيرين ضرورة لاستقرار المنطقة برمّتها، ولأنّ لبنان لا يستطيع الاستمرار بواقع الفراغ الحاليّ، في ظلّ التحديات المصيرية المحدقة به، والتي مثّل استحقاق قيادة الجيش خير معبّر عنها، بعدما تداعى المجتمع الدولي لمنع الفراغ في المؤسسة العسكرية.
ويقول العارفون إنّ الزيارة الأخيرة للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، ومن بعده وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، تمهيدًا لعودة لودريان الشهر المقبل، كلّها عوامل أعادت “الانتعاش” إلى المبادرة الفرنسية، ومن خلفها وساطات دولية عدّة، تتصدّرها تلك التي تقودها دولة قطر، يبدو أنّها بمجملها “تتقاطع” عند هدف انتخاب الرئيس في لبنان، الذي يمكن أن يتمّ على طريقة “إخراج” استحقاق قيادة الجيش، والتوافق الذي أفرزه.
“التحدّي” في الداخل
في المبدأ، يبدو الحراك الدولي النّشِط، والذي يتوقّع أن تتكثّف وتيرته أكثر بعد انتهاء عطلة الأعياد، وبداية السنة الجديدة، في ظلّ مساعٍ حثيثة لتكون زيارة لودريان المقبلة “مفصليّة وحاسمة”، متناغمًا ومنسجمًا مع الأجواء الداخلية، التي تتقاطع أيضًا عند تأكيد ضرورة البناء على المشهد النيابي الواعد في الجلسة التشريعية الأخيرة، من أجل ترجمته رئاسيًا، بالطريقة نفسها، في جلسة انتخابية، يمكن عقدها في أقرب وقت ممكن.
لكن، بعيدًا عن المبدأ الذي يتّفق عليه الجميع، يكمن “التحدّي الحقيقي” في المضمون، فكلّ المؤشّرات تدلّ على أنّ “الخرق” لا يزال بعيدًا، وأنّ كل الأفرقاء لا يزالون عند موقفهم، فمن توافقوا على التمديد لقائد الجيش لا يزالون منقسمين حول طريقة مقاربة انتخاب رئيس الجمهورية، ومن كانوا يرفضون الحوار والتفاهم، لا يزالوا يرفضونه، أو بالحدّ الأدنى، يضعون “الشروط” التي يُخشى أنّها تفرغ الحوار من مضمونه أساسًا.
ومع أنّ اللقاء الأخير الذي جمع رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية مع قائد الجيش العماد جوزيف عون، عزّز مناخات “التفاؤل” لدى كثيرين، حول إمكانية أن يفتح الطريق أمام “تسوية ما”، فإنّ الأجواء “الودية” التي طبعته، لم تنعكس على “التموضعات”، في ظلّ اعتقاد راسخ لدى كثيرين بأنّ كلّ شيء يبقى مؤجّلاً لما بعد انتهاء الحرب في غزة، وسط “رهانات” على تعديلات في موازين القوى قد تنتج عنها، وتصبّ لصالح هذا المرشح أو ذاك.
“في الحركة.. بركة”. يدفع هذا التعبير إلى التفاؤل بتصاعد الدخان الرئاسي الأبيض في القريب العاجل، في ضوء التحركات السياسية المتسارعة على خط الاستحقاق المؤجَّل منذ نحو عام وشهرين. لكنّ الحركة المرصودة، ولا سيما في شقّها الدولي، لا تبدو كافية، على أهميتها، إذا لم تقترن لا بإرادة داخلية فقط لإنجاز الاستحقاق، ولكن قبل ذلك باستعداد حقيقيّ لتقديم التنازلات، وتغليب مصلحة الوطن على كلّ ما عداها، وهنا بيت القصيد!