عند انتهاء الجلسة النيابية التشريعية التي أفضت إلى التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، تفاديًا للفراغ في المؤسسة العسكرية، حرص المسؤولون في “الحزب التقدمي الاشتراكي”، ونواب كتلة “اللقاء الديمقراطي” خصوصًا، على التأكيد أن الخطوة تبقى “ناقصة”، وأنّ المطلوب استكمال تعيين أعضاء المجلس العسكري، خصوصًا في ما يتعلق بتعيين رئيس للأركان في قيادة الجيش.
Advertisement
وإذا كانت “معركة التعيينات” قد بدأت عمليًا منذ ما قبل الجلسة التشريعية، فإنّها اصطدمت بأكثر من “عقبة”، بينها موقف “التيار الوطني الحر” المعترض، ولو كان مستعدًا لذلك إذا ما ضمن “منع” التمديد لقائد الجيش، ولكن بينها أيضًا موقف تيار “المردة” الذي قيل إنّه يرفض إقدام الحكومة على التعيين بغياب رئيس الجمهورية، فيما تحدّثت “تسريبات” عن امتعاض من استثناء “الاشتراكي” له في المشاورات التي حصلت.
في النتيجة، حصل التواصل بين الجانبين، وسط أجواء وُصِفت من الطرفين بـ”الودية والإيجابية”، بل إنّ أوساط “الحزب التقدمي الاشتراكي” أوحت بأنّ تيار “المردة” يراجع موقفه، ولن يعترض على تعيين رئيس للأركان في الحكومة متى حان وقت “الجدّ”، ما يدفع إلى التساؤل: هل اقتصر التواصل بين “الاشتراكي” و”المردة” على ملف رئاسة الأركان؟ وما حقيقة الحديث عن “مقايضة” بين هذا الملف واستحقاق الرئاسة المؤجَّل؟!
تواصل “غير معزول”
يقول المحسوبون على “الحزب التقدمي الاشتراكي” إنّ التواصل بين “الاشتراكي” و”المردة” ليس معزولاً، ولا فريدًا من نوعه، فالحزب يتواصل منذ فترة مع جميع الفرقاء بلا استثناء، وسبق أن التقى في العلن وفي الكواليس ممثلين لمختلف الأحزاب، بما فيها “التيار الوطني الحر” ورئيسه الوزير السابق جبران باسيل، وذلك في إطار “مبادرات حوارية” كان الحزب السبّاق إليها في محطات مختلفة، من الفراغ الرئاسي إلى الحرب على غزة.
لا ينفي هؤلاء أن يكون ملف رئاسة الأركان يستحوذ على اهتمام “الحزب التقدمي الاشتراكي”، وهو يناقشه مع مختلف الأفرقاء، انطلاقًا من قناعته الراسخة بوجوب حسمه في أقرب وقت ممكن، لأن استمرار الشغور في هذا المركز بذريعة الفراغ الرئاسي لم يعد جائزًا، وهو يعتبر أنّ رئاسة الأركان لا تقل شأنًا عن قيادة الجيش، ولذلك يجب أن يكون الجميع حريصين على ملء الشغور فيها، تمامًا كما أبدوا الحرص على منع الفراغ في قيادة المؤسسة العسكرية.
وإذا كان “الاشتراكيون” سبق أن بحثوا بالأسماء المرشحة لملء الشغور مع قوى عدّة، من بينها “التيار الوطني الحر”، الذي عاد وتراجع عمّا اتفق عليه مع الحزب، فإنّ اللقاء مع “المردة” جاء وفق هؤلاء استكمالاً للمشاورات الجارية، لكنّهم يؤكدون أنّ “حصر” التواصل بهذا الملف ليس دقيقًا، لأنّ النقاش مع “المردة” يشمل مختلف الملفات والاستحقاقات الآنية، من الرئاسة المجمّدة، إلى الحرب التي لا يزال شبحها مخيّمًا على الأجواء.
طيف “الرئاسة” الحاضر
على هامش التقارب المستجدّ بين “الحزب التقدمي الاشتراكي” و”تيار المردة”، ثمّة من سأل عن “مقايضة” تُطبَخ على “نار هادئة” بين رئاستي الأركان والجمهورية، باعتبار أنّ “المردة” سيطلب “ثمنًا” مقابل إعطائه الضوء الأخضر للسير بالتعيينات العسكرية في الحكومة، ولن يكون هذا الثمن أقلّ من “تبنّي” الحزب التقدمي الاشتراكي لترشيح النائب السابق سليمان فرنجية، ما من شأنه أن يعزّز حظوظه الرئاسية إلى حدّ بعيد.
يقول العارفون إنّ “رهان” تيار “المردة” على دعم “الاشتراكيين” لترشيح فرنجية ليس بجديد، فهو موجود منذ اليوم الأول، باعتبار أن “الاشتراكي” القريب من رئيس مجلس النواب نبيه بري لن يتردّد في السير بخياره الرئاسي، وبالنظر إلى العلاقات الجيّدة بين الفريقين، لكنّ الأمل “خاب” في أكثر من مناسبة، تموضع فيها “الاشتراكي” في الطرف المضاد، داعمًا مرشحي المعارضة صراحة، من ميشال معوض إلى جهاد أزعور.
على الرغم من ذلك، لا يبدو الحديث عن “مقايضة” واقعيًا في هذا السياق، لأنّ لكلّ من الاستحقاقين ظروفه التي تتحكّم بمساراته، كما أنّ فرنجية يعتقد أنّ المواقف قد تختلف متى دقّت “ساعة الجِدّ”، وهو ما تؤكده أوساط “الاشتراكي” التي ترفض كلّ حديث عن “مقايضة” تضرّ بالحزبين معًا، فهما ليسا من النوع الذي يقوم بمقايضات، بل إنّهما يعملان وفق قناعاتهما، وبما تقتضيه المصلحة الوطنية، وهو ما لن يتبدّل اليوم.
ليس التقارب بين “الحزب التقدمي الاشتراكي” و”تيار المردة” جديدًا، ولا ينبغي أن يكون مثار استغراب، ليس فقط لأنّ التنسيق بين الجانبين يفترض أن يكون بديهيًا، وهما اللذان تجمعهما حكومة واحدة، ما يتطلب تشاورًا دائمًا، ولكن قبل ذلك لأنّهما أصلاً من دعاة الحوار والتفاهم، حوار قد يقود إلى حلّ على مستوى التعيينات العسكرية، عسى أن يقتنع به الآخرون، ليُحدِث “الخرق” على مستوى الاستحقاق الرئاسي أيضًا!