فماذا في خفايا تلك الأزمة؟ كيف ظهرت على السطح؟ ما هي ظروفها؟ وماذا يقول المختصون عنها؟ما هو المقصود بـ”أزمة المهر”؟قبل الأزمة المالية في لبنان التي اندلعت عام 2019، كانت أغلب مهور الزواج تُحدّد بالليرة اللبنانية. فعلى سبيل المثال، يقوم زوج بتحديد 100 مليون ليرة لبنانية كـ”مؤخر لزوجته” في حال الطلاق، وهذا المبلغ يُساوي قبل الأزمة نحو 66 ألف دولارٍ على سعر الصرف الرسمي السابق المحدد بـ 1500 ليرة لبنانية.حالياً وفي ظلّ الأزمة، وبسبب ارتفاع سعر الدولار وتدهور الليرة، تراجعت قيمة المهور الفعلية، فمبلغ الـ100 مليون ليرة بات يُساوي في الوقت الراهن نحو 1100 دولار أميركي، وذلك على سعر صرف الدولار في السوق السوداء البالغ حالياً نحو 90 ألف ليرة.إذاً، قيمة المهر تراجعت بشكلٍ كبير، فبدلاً من أن تتقاضى المرأة 66 ألف دولار، باتت اليوم أمام خيار تقاضي حقها بقيمة 1000 دولار، والسبب هو أنّ قيمة الـ100 مليون ليرة تراجعت بنسبة كبيرة جداً تتجاوز الـ90%.ماذا عن مهور الذهب والدولار؟ما تبيّن هو أنّه لا إشكالية بالمهور المنصوص عليها بالدولار والذهب، فإذا كان بالعملة الصعبة، يُدفع بها وإذا كان بالذهب، يتم تسديده من خلاله.كذلك، ما يظهر هو أنّ هذه المهور أيضاً يتم النظر فيها وبحثها مع الطرفين لاسيما في ظل الأزمة القائمة، وبالتالي يتم النظر بكل حالة على حدى.فإذا كان الزوج مُقتدراً ولديه الإمكانات المادية التي تمكنه من دفع الحق كاملاً، عندها يحصل هذا الأمر فعلاً. أما في حال لم يكن لدى الزوج قدرات تمكنه من تسديد المهر المنصوص عليه، فعندها يتم اللجوء إلى خيار التوافق والتراضي لتجنب أي إشكالية.كيف تُدفع المهور حالياً؟يتحدّث قاضي الشرع في جبل لبنان الشيخ الدكتور محمد هاني الجوزو لـ”بلينكس” عن “أزمة المهور”، واصفاً إياها بـ”المعقدة” نظراً لوجود الكثير من التفاصيل بشأنها لاسيما وسط أزمة لبنان الاقتصادية والمالية.الجوزو يُوضح أنّ دفع المهور حالياً في المحاكم الشرعية للطائفة السُّنية يكون بناءً للقيمة المنصوص عليها في عقد الزواج، ويضيف: “في حال كانت قيمة المهر 50 مليون ليرة على سبيل المثال، عندها يدُفع بذات القيمة المذكورة وبالعملة المُدرجة في العقد”.يعتبر الجوزو في حديثهِ أنّ هذا الأمر قائم في الغالب لأنه لم يتم التوصل حتى الآن إلى قواعد جديدة بشأن السعر الذي سيُدفع عليه المهر، والسبب هو أن قيمة العملة في لبنان لم تشهد بعد أي استقرار، وأكمل: “بسبب التقلبات المالية المستمرة، لا يمكن وضع قاعدة بشكلٍ يومي للعمل عليها، ولهذا فإن الانتظار هو سيد الموقف. وللإشارة، فإنه لا يتم اعتماد أي سعر صرف مُحدد للمهور، وهذا الأمر أصلاً مدار نقاش وحوار بين القضاة الشرعيين”.الجوزو يكشف أنَّ الحل الأمثل على صعيد المهور وسط الأزمة يكون من خلال الاتفاق بين الطرفين، أي الطليقين، على قيمة الحق الذي سيُدفع للمرأة.ويُوضح: “في حال اتفق الزوجان على مبلغ مالي أعلى من الرقم المنصوص عليه في العقد، فإن الأمر يسري مباشرة ولا مُشكلة به طالما أن هناك حفظ للحقوق بشكل أساسي واتفاق من جهة أخرى. أما في حال كان هناك مبلغ أقل من المنصوص عليه، فعندها لا يمكن القبول به لأنه يُعتبر انتهاكاً للحق”.مصدر آخر في المحكمة الشرعية الجعفرية الخاصة بالطائفة الشيعية في لبنان يتحدّث لـ”بلينكس” عمّا يجري على صعيد دفع مهور الزواج، ويقول: “في حال كانت المهور محددة بالليرة اللبنانية، فإن الأحكام تنتهي وفق التالي:- يتم تحويل المبلغ المذكور بالليرة إلى الدولار الأميركيّ وفقاً لقيمته قبل الأزمة المالية. على سبيل المثال، إذا كان المهر بقيمة 75 مليون ليرة لبنانية، عندها يُقر القاضي الشرعي بمبلغ 50 ألف دولار أميركي للزوجة على أساس أن سعر الصرف الرسمي كان آنذاك هو 1500 ليرة لبنانية.ويضيف المصدر: “في المقابل، ما يجري هو أنه في معظم الأحيان، يتم الاحتكام إلى مبدأ التراضي بين الطرفين على قيمة المهر النهائية. هذا الأمر يفرض نفسه حالياً وسط الأزمة الراهنة، والأفضل هو أن تذهب الأمور بهذا الاتجاه تحت مبدأ الإتفاق تجنُّباً للإجحاف”.ويُكمل: “بعد إقرار المبلغ الكامل بالدولار، يتم البحث مع الزوجين حول إمكانية توزيع المسؤوليات بينهما، مثل منح الزوجة نسبة معينة من مهرها بالدولار الأميركي، شرط أن يكون هذا الأمر بموافقتها ورضاها، أي أن المبلغ الذي سيتم إقراره قد لا يتم دفعه بالكامل”.التوفيق بين الزوجين.. خطوة أساسيةالأستاذ في الجامعة اللبنانية الشيخ الدكتور أحمد سيف الدين قال لـ”بلينكس”، إنه من المهم جداً السعي إلى “التوفيق بين الزوجين” قبل الوصول إلى الطلاق الفعلي، وقال: “الجدليات بشأن المهور كثيرة، لهذا السبب يتوجّب أن تكون هناك محاولات لتوطيد العلاقة بين المرأة والرجل عسى أن يفتح هذا الأمر باباً أمام الحلول”.على الصعيد الديانة المسيحية، يقول أحد رجال الدين في مدينة صور، جنوب لبنان لـ”بلينكس” إنّه “تم تأسيس ما يُسمّى بمكاتب إصغاء في المطرانيات والأديرة من أجل التوفيق بين الزوجين والسعي لحل المشاكل بينهما”، ويضيف: “وظيفة هذه المكاتب مُهمة جداً لأنها تساهم في الحلول وهذا الأمر يقع على عاتق رجال الدين والحُكماء”.ماذا يقول الحقوقيون عن أزمة المهور؟المحامية اللبنانية نهى سعد تحدّثت لـ”بلينكس” عن واقع أزمة المهور لدى الطوائف الإسلامية من مُنطلق حقوقي، قائلة: “الثابت فُقهاً وقانوناً أن المهر هو حق من حقوق المرأة على الزوج ودينٌ متوجب عليه في ذمته، والحفاظ على القيمة الشرائية للمؤخر هو من ضرورات العدل الذي يدعو إليه الشرع الإسلامي”.سعد تلفت إلى أنّ تراجع قيمة العملة الوطنية بسبب التضخم شكّل إشكالية كبرى جداً على صعيد دفع المهور، خصوصاً إذا كانت محددة بالليرة اللبنانية، وتُكمل “حتى الآن، لم يتم إيجاد أي حل حكوميّ واضح يدفع المحاكم الشرعية لاعتماد آلية جديدة بشأن المهور، علماً أن هذا الأمر يحتاج إلى الكثير من الاجتهادات الفقهية والدينية بإشراف قضاة الشرع والقيمين على المحاكم”.وتابعت: “الدين الإسلامي يرفض وقوع الظلم سواء على الزوج أو الزوجة، ولكي لا يتحقق أي نوع من الإجحاف بحق أي طرف في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة وتراجع المداخيل، يجب على القضاء الشرعي، وانطلاقاً من المنطق القانوني، أن يقيس كل حالة على حدى وبالتالي الحُكم بالعدل”. (بلينكس – blinx)