التهديد الإسرائيليّ الأخير باغتيال أمين عام “حزب الله” السيّد حسن نصرالله ليس جديداً. في الواقع، الدّلالات وراء الكلام غير عاديَّة ومن الممكن أن تكون إسرائيل قد اتخذت قراراً جدياً باستهداف نصرالله، بعدما وجدت أنّ حربها ضد “حزب الله” في لبنان أو ضدّ حركة “حماس” في غزة باتت تُحتّم إتخاذ خيارات وخطوات كبرى لم تكن قائمة من قبل.
أمس الأول، كان وزير الخارجية الإسرائيليّة إيلي كوهين واضحاً في قولهِ إنّ “نصرالله سيكون التالي”، في إشارة إلى أنّ الأخير سيكون ثاني شخصية مُستهدفة خلال الوقت الراهن إثر اغتيال إسرائيل قبل أيام ، المسؤول في الحرس الثوري الإيراني سيد رضي موسوي بغارة جوية في سوريا. إثر تلك العملية التي تحمل أبعاداً خطيرة، قالت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية إنّ اغتيال موسوي هو رسالة إلى نصرالله وليس مُجرد هجوم عادي.
هل إسرائيل جادّة في تهديداتها؟
المخطط الإسرائيلي لاغتيال نصرالله قائمٌ ومنذ زمن، وقد كُشفت الكثير من العمليات سابقاً والتي كانت تهدفُ لحصول ذلك. أما اليوم، فإنّ إسرائيل باتت ترى أنّ إستهداف أمين عام الحزب بات بمثابة مطلب داخلي إسرائيلي كون صورة الكيان التي اهتزّت عقب عملية “طوفان الأقصى” في غزة يوم 7 تشرين الأول الماضي، حتّمت على تل أبيب “تصفية الحساب” مع كل من يُهددها.
الدلالة الأساسية على جديّة إسرائيل باستهداف نصرالله قد لا تكونُ متوقفة فقط على لحظة إغتيال موسوي في سوريا. بمعنى آخر، فإن إسرائيل لم تكن تنتظر استهداف المسؤول الإيرانيّ لتوجه رسالة إلى نصرالله. في الأساس، وكما تمّ ذكره، كانت إسرائيل تُخطط لتلك الخطوة، لكن هذا الأمر تعزز أكثر بعد حرب غزة.. فكيف ذلك؟
حينما تقول إسرائيل إنها تلاحق قادة “حماس” في غزة وتسعى لإغتيالهم وعلى رأسهم محمد الضيف ويحيى السنوار، فإنها تكون بذلك قد وجهت رسالة غير مباشرة إلى نصرالله، والقول له إنه بعد القضاء على الحركة الفلسطينيّة في غزة، سيأتي الدور إلى لبنان. كل هذا ترافق فعلياً مع بروباغندا إسرائيلية متسلسلة لإسداء هذه الرسالة من خلال 3 عناصر أساسية:
1- العنصر الأول وهو القول إن إسرائيل تكتشف أنفاقاً لـ”حماس” وتلاحق السنوار داخلها.
2- العنصر الثاني وهو إعادة طرح مسألة وجود أنفاق لـ”حزب الله” في جنوب لبنان
3- العنصر الثالث ويرتبط بالتلويح بحصول حربٍ إستباقية ضد لبنان بهدف ضرب “حزب الله” وإنهائه أو إبعاده إلى شمال نهر الليطاني.
كل هذه العناصر والعوامل يُمكن أن تحمل التهديد غير المباشر لنصرالله، عبر القول إنه “مثلما لاحقنا السنوار، سنلاحقك”، ومثلما “اكتشفنا أنفاق حماس، فإنه لدينا قدرة على إكتشاف أنفاق حزب الله ورصدها”، ومثلما “فتحنا حرباً ضد حماس في غزة، فإنه بمقدرونا شن معركة ضد لبنان”، وبالتالي فإن الوصول إليك بات أقرب في حال تحققت كل هذه السيناريوهات.
ضمنياً، هذا هو حال لسان الإسرائيليين.. ولكن هل سينجح هذا الأمر؟ ما هي عوامل القوة بهذا الشأن؟ وماذا فعل “حزب الله” بشأن نصرالله منذ بداية “طوفان الأقصى”؟
للتذكير، فإنّ نصرالله امتنع عن الظهور العلني بشكل مباشر وبات يظهر عبر الشاشات، اعتباراً من حرب تمّوز عام 2006. منذ ذلك الحين، كانت الإنعطافة الأكبر على صعيد عدم ظهور نصرالله مباشرة، علماً أنّ إطلالاته الشخصية المعدودة في مناسبات علنية خلال السنوات الماضية كانت تُحاط بسرية تامة وتحصلُ فجأة من دون أي معرفة أو دراية بها.
العقلُ الذي يديرُ أمن نصرالله ليس عادياً، فمسألة حماية الأخير تأتي في سُلم الأولويات المحاطة بأسرارٍ شديدة. هنا، فإن الكثير من المسؤولين الذين زاروا نصرالله في أوقاتٍ سابقة يشرحون بعض الخطوات التي يمرّون بها قبل لقاء الأخير. المستوى الأمني هنا لا يقتصر فقط على اللقاءات، بل يرتبط أيضاً بكل ما يحصل عليه أمين عام الحزب من أدواتٍ وأغراض وذلك تفادياً لوجود أي ثغرة قد تكشف أمن نصرالله أو مكانه الذي بات يخضع لتبديلات دائمة.
من يُراقب صور الأماكن التي يعقد نصرالله لقاءاته فيها، يتبين أنها تتبدل وتتغير، وهذا أمرٌ بديهي. الأمر هذا بات أكثر إلزامية بعد معركة “طوفان الأقصى”، وتشير المعلومات إلى أن “حزب الله” عزّز الأمن الخاص بنصرالله وجعل الأمور أكثر سرية. حتى أنّ اللقاءات القليلة التي تجري مع الأخير في الفترات الحالية، تحصلُ بناء لآلية معقدة نوعاً ما وذلك لضمان عدم وجود أي خطوة قد تكشفُ مكانه.
في الواقع، فإن الحزب، ورغم تركيزه الكبير على الناحية الإستخباراتية، إلا أنه يُدقق أكثر في مسألة وجود جواسيس في صفوفه، كما أنه يتفحص دائماً كل من يزورون نصرالله ضمن أساليب خاصة معتمدة. عملياً، يجب على الحزب أن يكون قد تلقى الدروس من الإغتيالات السابقة التي طالت قادته، فالأمرُ هذا مهم جداً لتعزيز الأمن ومنع أي هفوات قد تكشفُ مكان أمين عام الحزب أو تعرّض حياته للخطر.
في حديثٍ سابقٍ له، أقرّ نصرالله بأمرٍ يرتبط بالواقع الأمني الخاص به، حينما تحدث عن واقع إطلالته في الجنوب يوم التحرير عام 2000. في كلامه، كشف نصرالله أن القائد العسكري لـ”حزب الله” الشهيد عماد مغنية هو من كان يتولى تنسيق الوضع الأمني الخاص به، كما أن الراحل هو الذي قام بالترتيبات المرتبطة بزيارة نصرالله إلى الجنوب رغم وجود خطرٍ كبير على الأخير. ما يظهر هنا هو أنّ الأمور تكون محبوكة تماماً، وهناك شواهد مرتبطة بذلك، لكن الأمور باتت الأكثر أكثر تعقيداً لأن دور نصرالله تعاظم أكثر بالنسبة للإسرائيليين، ولهذا السبب فإن تحقيق هدف الإغتيال لن يكون سهلاً لكنه لم يسقط أبداً من الحسابات.