إذا كنت مهتماً بعلم التنجيم، فأنت بلا شك ملمّ بالأبراج بشكل كبير، ولا تعرف برجك الشمسي فحسب، بل برجك القمري وبرجك الصاعد أيضاً وكل ما يتعلق بمخططك الفلكي. ولكن هل تساءلت يوماَ عن السبب الذي يدفع بالكثيرين إلى تصديق الأبراج؟ وما هي الأسباب النفسية والعلمية وراء ذلك؟
أكثر ما يثير قلق الإنسان هو المجهول، وشعوره بأنه لا يمتلك السيطرة الكاملة على مجريات حياته.
بهذه العبارة اختصرت الأخصائية في علم النفس العيادي والأستاذة الجامعية كارول سعادة، علاقة البعض الوثيقة بالأبراج وعلم التنجيم.
وأشارت في حديث لـ”لبنان 24″ إلى أن “الأشخاص الذين يعانون من القلق الزائد لأسباب جينية أو تربوية، هم من الأكثر ميلاً لتصديق الأبراج، إلا أن من يعانون أيضاً من الغرابة في شخصيتهم، أي أن معتقداتهم قد تكون مغلوطة، نراهم يلجأون إلى الأبراج، إلا أن الأمر يختلف بحسب تركيبة الشخصية فالأمر لا ينطبق على الجميع.
وأوضحت سعادة أنه في حين أن جزءاً من الأبراج مرتبط بعلم التنجيم ويمكن تصديقه، إلا أن جزءاً آخر مرتبط بما يعرف بالـBarnum – Forer effect الذي هو خطأ وتشوّه معرفي يدفع بالإنسان إلى تصديق سمات عامة جداً من الشخصية والتي يمكن أن تنطبق على أي كان من البشر. ما هو تأثير بارنوم؟ تأثير بارنوم، المعروف أيضًا باسم تأثير فورير، هو الظاهرة النفسية التي تفسر سبب اعتقاد الأفراد بأوصاف الشخصية المعممة كما لو كانت أوصافًا دقيقة لشخصيتهم الفريدة. ببساطة، يشير تأثير بارنوم إلى ميلنا إلى الاعتقاد بأن المعلومات المقدمة عن شخصياتنا تتعلق بنا بغض النظر عن قابليتها للتعميم. يعد هذا التأثير أمرًا بالغ الأهمية في شرح الآليات الأساسية لقابليتنا السلوكية لقبول المعتقدات والممارسات الخارقة مثل الأبراج، وقراءة الطالع، واختبارات الشخصية عبر الإنترنت. تم اكتشاف تأثير بارنوم من قبل عالم النفس بيرترام فورير في عام 1948 عندما أجرى تجربة حول مغالطة التحقق من صحة الشخصية. في دراسته، أجرى فورير اختبار شخصية لطلابه، وأخبرهم أنه سيتم تقييم كل استطلاع بشكل منفصل وتزويدهم بالتعليقات من قبل فورير نفسه. ومع ذلك، قدم لهم عالم النفس التعليقات بفقرة مليئة بعبارات عامة للغاية دون إخبارهم بذلك. وكان يستخدم جملاً مثل “أنت تميل إلى انتقاد نفسك”، “الأمان هو أحد أهدافك الرئيسية في الحياة”، و”في بعض الأحيان يكون لديك شكوك جدية حول ما إذا كنت قد اتخذت القرار الصحيح”، فاعتبر جميع الطلاب تعليقات فورير بمثابة وصف دقيق لشخصيتهم الفريدة. وخلص فورير إلى أن النتائج يمكن أن تعزى إلى ميلنا إلى السذاجة. هل تصديق الأبراج هو مرض؟ إلا أن الأهم بالنسبة لسعادة، هو التأكد من أن حشرية الإنسان التي تدفعه للإطلاع على الأبراج أو على الأمور الفلكية ليست مرضاً، إلا أنه يصبح كذلك حين يركّز الشخص كل حياته على أفكار غير موضوعية و”سحرية”، فيعيش حياته نسبة لما تمليه عليه الأبراج بشكل يومي”. وأوضحت أنه في هذه الحالة يصبح الإنسان مسيّراً، فيزيل اللوم عن نفسه في أي عمل سيء يقوم به، واضعاً الملامة كاملة على حركة الكواكب أو تركيبة الشخصية التي ينتمي إليها برجه. وشددت على أن تداعيات سلبية كثيرة تترتب إثر ذلك على المستوى الشخصي، المهني والعاطفي، ما يدخل المرء بشكل من أشكال الشخصيات المرضية Schizotypal personality disorder ، وتحديداً تلك التي تحلل الأمور بشكل غير منطقي، ما يجعلها مشابهة تقريباً لحالات الفصام. وأضافت سعادة أنه في حين يتعلّق الأمر بالشخصية المرضية، لا يقتصر الأمر فقط على الأبراج، “بل نلاحظ أن معتقداته غير منطقية في الأغلب، فيرتكز على مشاعره في اتخاذ القرارات، يحلّل الأمور بطريقة جدّ عاطفية عبر “الحاسة السادسة” وبعض التهيّؤات”، بحسب سعادة. من هنا، جزمت سعادة بأن تصديق الأبراج بحد ذاته ليس المشكلة الفعلية، طالما أن الشخص قادر على وضع الأمور في نطاق معيّن لا يشكّل خطورة على حياته، موضحة أن الحشرية طبيعية في الحياة. وشددت على أن أي تشوّه معرفي أو تفكير متطرّف يعايشه الإنسان يستدعي معالجة نفسياً كي يستعيد إمساك زمام الأمور في حياته مجدداً وكي يعود للتحليل المنطقي. في المحصّلة، لا ضرر في الإطلاع على توقعات الأبراج من باب الحشرية والتسلية، خاصة مع تدفقها علينا من كل حدب وصوب مع بزوغ فجر كل عام جديد، خاصة وأن جزءاً منها علميّ بالفعل.