حادثة التلفريك.. حادث عرضي أم إهمال وتقصير؟ التحقيقات مستمرة

1 يناير 2024
حادثة التلفريك.. حادث عرضي أم إهمال وتقصير؟ التحقيقات مستمرة


ساعات عصيبة عاشها اللبنانيون يوم الخميس الفائت ، حبست أنفاسهم، بعد العطل الذي أصاب التلفريك بين جونية وحريصا ، حيث علق عشرات المواطنين بين السماء والأرض، في حادثة هي الأولى من نوعها.
 
ولكن قبل الدخول في التفاصيل والمسؤوليات، لا بد من وقفة اعتزاز وفخر، بشباب فرق الدفاع المدني وفوج المجوقل من الجيش والقوات الجوية والصليب الأحمر، الذين بذلوا كل الجهود الممكنة لانقاذ المواطنين الذين احتجزوا داخل المقصورات لساعات، وكانوا خير مثال للبناني المندفع دوماً لانقاذ اخيه مهما كلّف الأمر.

 
أسئلة عدة تطرَحها حادثة التلفريك حول الإهمال في الصيانة الدورية ما يؤدّي إلى مثل هذه الحوادث، والتي كانت قد تؤدي إلى كارثة وطنية تودي بحياة العشرات، والمراقبة على عمل الشركة المشغّلة والمسؤولة عن الصيانة الدورية؟ ويبقى السؤال الأهم هل سيُحاسَب المسؤولون عن هذه الحادثة لئلّا تتكرّر لاحقاً؟

تاريخ تلفريك جونية
 
يعد تلفريك جونية أو تلفريك لبنان واحدا من أشهر معالم جبل لبنان ويبلغ ارتفاعه عند أعلى نقطة له 550 متراً بينما يبلغ طوله 1570 مترا ويصل بين خليج جونيه ومنطقة حريصا ويعتبر من أجمل الأماكن السياحية في جبل لبنان.
 
بدأت فكرة إنشاء تلفريك جونية من قبل بعض الشبان الذين كانوا يقومون برحلة مدرسية إلى مزار سيدة لبنان وحلموا بإنشاء وسيلة تنقل زوار هذه المنطقة بشكل مباشر من جونية إلى حريصا وبدأت بعدها عملية إنشاء التلفريك من قبل الحكومة وافتتح بشكل رسمي في عام 1965 ليصبح من أهم الواجهات السياحية في البلاد. 
 
تستغرق الرحلة بواسطة التلفريك تسع دقائق فقط والمسافة تقدر بـ1.5 كيلومتر (1 ميل) ويمتد خط التلفريك من خليج جونيه فوق الطريق السريع البحري والجبل الشديد الانحدار وفوق أشجار الصنوبر على ارتفاع 650 مترا ليصل إلى مزار سيدة لبنان في حريصا. وتوفر الرحلة مناظر خلابة مذهلة بما في ذلك مناظر بانورامية لخليج جونيه.  
 
ومنذ ذلك الحين، لم تسجل اي اعطال في التلفريك، الا انه في عام 2015 تعرض لعطل أدى لتوقف عمل المقصورات عن العمل لفترة وجيزة وعلق بها الأشخاص ثم عادت للعمل.

ماذا جرى يوم الخميس؟
 
يشير رئيس مكتب الإعلام في المديرية العامة للدفاع المدني ايلي خيرالله الى إن “هذه الحادثة ليست الأولى التي تطال التلفريك المتجه الى حريصا. فقد حدث سابقا أن تعطلت حركة سير مقصورات التلفريك بسبب انقطاع التيار الكهربائي. ومرة أخرى بسبب عطل في الماكينات المخصصة لدفع المقصورات بواسطة دوران الكابلات، وفي مرة ثالثة بسبب تحول إحدى المقصورات عن مسارها ما تسبب بوقف نظام التشغيل وآخر حادثة من هذا النوع كانت قبل قرابة الاربع سنوات حيث تعطلت حركة التلفريك وأنقذ عناصر الدفاع المدني الركاب بواسطة حبال الإنقاذ”.
 
وقال” ما حدث يوم الخميس كان مختلفاً من حيث نوع العطل إذ اصطدمت مقصورتان ببعضهما وخرجتا عن مسارهما وبالرغم من ذلك لا يسعنا توصيف هذه الحادثة بـ “الخطيرة” بل يمكن القول انها مختلفة عن سابقاتها. ولربما ساهمت سرعة الهواء في حصول هذا الاصطدام ولكنها تبقى هذه الاحتمالية في دائرة التكهنات.
 
وتابع في حديث عبر “لبنان 24”: “وفي عملية الانقاذ استعانت فرق الإنقاذ الجبلي لدى المديرية العامة للدفاع المدني بالسلالم الآلية ومعدات الإنقاذ الجبلي إضافة إلى استعمال المسيّرة (Drone) لتحديد موقع المحتجزين داخل المقصورات الشديدة الارتفاع، ونظرا الى كون السلم الآلي يبلغ ٣٣ مترا من الارتفاع في حده الأقصى تمت الاستعانة ب “ونش” من شركة خاصة يصل إرتفاعه الى ٧٠ متراً إذ ان إحدى المقصورات كانت في مكان يتجاوز الـ ٧٠ مترا من الارتفاع ما اضطر العناصر، بالتعاون مع فوج المجوقل لدى الجيش، الى إضافة جزء مكمل للـ “ونش” للتمكن من الوصول إلى موقع المقصورة واجلاء المحتجزين وقد كانوا بحالة صحية جيدة”.
 
ولفت الى ان أبرز الصعوبات التي أعاقت سير العمليات تتلخص بوعورة تلك البقعة الجغرافية والسباق مع الزمن للتمكن من إخلاء كافة الركاب العالقين (غالبيتهم من الأطفال إضافة إلى وجود سيدة حامل) قبل هبوط الظلام. 
أما بالنسبة إلى التنسيق بين الفرق، فأكد خير الله انه كان على قدم وساق ضمن ثلاث نقاط مختلفة انطلاقا من جونية مرورا بساحل علما وصولا الى مزار سيدة لبنان في حريصا، وقد نفذت المهام بالتوازي لكسب الوقت والانتهاء بأسرع ما يمكن.
 
المحاسبة آتية
 
وفي ظل هذا التحرك الجبار، تتجه الأنظار الى الدولة اللبنانية وما يمكن ان يصدر عنها بعد التحقيقات في هذا الحادث، وفي هذا الاطار، تشير مصادر وزارة الطاقة عبر “لبنان 24” وهي الوزارة المسؤولة عن الشركة المشغلة، أن الوزير اعطى توجيهاتها لبدء التحقيقات الفعلية في الحادثة لمعرفة ما جرى على الأرض قبل اتخاذ اي موقف قانوني.
 
في المقابل، أكد رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النائب سجيع عطية أن اللجنة ستعقد اجتماعاً يوم الخميس المقبل، بحضور وزير الطاقة الوزراء المعنيين لبحث مجريات ما حدث وتحديد المسؤوليات، مشدداً في حديث عبر “لبنان 24” على ان هذه الحادثة لن تمر مرور الكرام واذا ما تبين وجود تقصير من قبل الشركة المشغلة أو اهمال في اعمال الصيانة فان الاتجاه سيكون في الادعاء عليها أمام القضاء المختص.
 
في المقابل، يتحدث النائب سليم الصايغ، والذي تابع الحادثة منذ اللحظة الأولى، عن ضياع المسؤوليات في الحادثة، فاضافة الى ان وزارة الطاقة هي المرجع المسؤول عن الشركة المشغلة، الا ان وزارتي الاشغال والسياحة تتحملان بدورهما المسؤولية، داعياً الى اجراء تحقيق فعال وشفاف لتحديد المسؤوليات ومعاقبة المقصرين.
 
وذهب الصايغ في حديث عبر “لبنان 24” الى ابعد من ذلك حيث طالب الدولة بالتحرك سريعاً لمساعدة الاشخاص الذين علقوا في المقصورات من أطفال ونساء ورجال على تخطي الصدمة التي أصابتهم، والعمل على تقديم العلاج النفسي المناسب لهم، لأن ما جرى معهم يعد ازمة حقيقية ومن الضروري متابعتهم نفسياً وصحياً لتخطي “التروما” التي اصابتهم.
 
وتمنى الصايغ العمل سريعاً على اعادة الطمأنينة الى نفوس المواطنين، واعادة تشغيل هذا المرفق العام والحيوي، والذي يعتبر واحداً من ابرز المعالم السياحية في المنطقة.
 
اذا، الانظار شاخصة الى ما سيصدر عن التحقيقات التي بدأت في حادثة التلفريك وما هي النتائج التي قد تصدر عنها وهل ستتمكن الدولة من محاسبة المقصر، الذي بسبب اهماله، كان من الممكن ان تحدث كارثة في لبنان؟ الجواب رهن الايام المقبلة.