كتب ابراهيم بيرم في” النهار”: لأكثر من اعتبار وحساب حاضرٍ ومستقبلي بدا تشظي القيادي في حركة ” حماس”صالح العاروري ورفاقه في قلب الضاحية الجنوبية بمثابة الصيد الأثمن لتل أبيب في الحرب التي فُرض عليها ان تخوض غمارها بتكاليف عالية منذ السابع من تشرين الاول الماضي، ولم يعد خافياً ان الرجل الصريع:
– هو الضلع الثالث في المثلث القيادي القابض بجدارة على زمام التحكم والسيطرة في حركة “حماس” منذ التحول القيادي فيها وفي سياستها ونهجها، والذي أبعد فريقا له سماته ومواصفاته وحساباته وأتى بفريق آخر حاسم في خياراته وقاطع مع المرحلة الماضية التي تعدّ حقبة ضياع البوصلة.
– وهو ايضا أحد الذين اتقنوا تنفيذ مهمة “اعادة تنظيم” حركته على الساحة اللبنانية على نحو “غربل” مكوناتها الفلسطينية وجمع شتاتها موجداً لحركته حيزاً واسعاً في مخيمات اللاجئين التي كانت الى الأمس القريب تحت سلطة الخصوم التاريخيين للحركة، فضلاً عن دور ملموس أداه الرجل الذي لم يمر على دخوله الساحة البنانية أكثر من عام ونيف في اعادة وصل ما انقطع بين محور المقاومة والاطر الاسلامية السنّية اللبنانية الحزبية. لذا لم يكن غريبا ان تسارع “الجماعة الإسلامية” في لبنان الى الاعلان عن عودتها الى “الجهاد العسكري” وتكشف عن مشاركة مجموعات تنتمي اليها (قوات الفجر) في الانشطة العسكرية على الحدود امتداداً لفعل لها سابق في هذا الميدان.كل تلك المستجدات الميدانية تنطوي على تطورات وتحولات يُنسب أمر إعدادها والتحضير لها للعاروري الذي أوكل الى نفسه مهمة ايجاد قوة مقاومة اسلامية سنّية في الجنوب تأخذ مكانها الى جانب مقاومة الحزب إعداداً للمستقبل.واذا كانت اسرائيل قد عرفت كيف تضرب ضربتها الموجعة وتردّ ردها القاسي على نحو صار بامكان نتنياهو ان يخرج الى الضوء بصورة المحقق لـ”نصر عظيم وفتح مبين” على “حماس” التي باغتته ووجهت اليه ضربة مدوية عندما اقتحمت غلاف غزة الحصين، فان السؤال: كيف سيكون رد المحور الذي صارت “حماس” واحداً من مكوناته؟الاجابة عند ذوي الصلة بهذا المحور تتمحور حول أمر أساسي هو ان هذا السؤال لا يُسأل مادام الميدان مستعرا على هذا القدر من الضراوة، فطبيعة الرد ومداه وحدوده أمر تقدّره القيادة الميدانية وفق نهج يخلو من أي انفعال. وفي كل الاحوال ليس جديدا على بيروت ان تكون جزءا من قوة المقاومة الفلسطينية وتدفع ثمن ذلك. ففي مطالع السبعينات بدأت اسرائيل عصر الاعتداءات السافرة وعمليات الاغتيال في قلب العاصمة اللبنانية، وفاتحة الامر كانت عندما اغتالت وحدة اسرائيلية ثلاثة من أبرز قادة حركة “فتح” هم: كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار، الذين تم اصطيادهم في شققهم في ساعات الفجر الاولى على يد قوة كوماندوس اسرائيلية، وبعدها كرّت سبحة الاغتيالات.هكذا وبعد أكثر من نصف قرن تعود اسرائيل لتمارس اللعبة القاتلة نفسها عبر اغتيال العاروري، والاختلاف هذه المرة ان الاغتيال تم بالمسيّرات والميدان الضاحية الجنوبية. وهذا دليل أمرين:- ان كل محاولات فصل بيروت عن القضية الفلسطينية تهاوت.- ان كل الجهود التي بُذلت للايحاء بان لبنان قد بدّل قناعاته وهويته التاريخية قد ذهبت أدراج الرياح.الفارق الكبير ان تشييع القادة الثلاثة قتلى مطالع السبعينات كان مليونيا ومشهودا، والاكيد ان تشييع العاروري لن يكون بمستوى الحشد عينه.