نرفض توسعة الحرب ونساند حماسبحسابات مضبوطة

5 يناير 2024
نرفض توسعة الحرب ونساند حماسبحسابات مضبوطة


كتب محمد شقير في” الشرق الاوسط”: في قراءة أولية لمضامين الخطاب الذي ألقاه أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، تُجمع مصادر سياسية على القول بأنه بقي تحت سقف مساندة حركة «حماس» في حربها المفتوحة مع إسرائيل من دون أن يبادر للإعلان عن توسعة المواجهة الدائرة بين الحزب وإسرائيل على امتداد الجبهة الشمالية في جنوب لبنان، لتتحول إلى حرب على غرار ما هو قائم في قطاع غزة، وإن كان أراد أن يرفع من منسوب المواجهة كما هو حاصل الآن، من دون أن يطيح بقواعد الاشتباك، رغم أن تبادل القصف أدى إلى تجاوزها جغرافياً بحدود معينة.

Advertisement

وتوقفت المصادر السياسية أمام قول نصر الله بأن المقاومة تقاتل في الجبهة مع فلسطين بحسابات مضبوطة، وإذا فكر العدو بأن يشن حرباً على لبنان حينها سيكون قتالنا بلا حدود وبلا ضوابط وسقوف، ورأوا في قوله بأنه ليس في وارد بأن تتدحرج مساندته لـ «حماس» نحو توسعة الحرب امتداداً لغزة.
ورأت المصادر في موقفه بأنه يحمّل إسرائيل مسؤولية مباشرة إذا ما أقدمت على توسعة الحرب؛ «لأن من يفكر (كما قال) بالحرب معنا سيندم، وستكون مكلفة، مع أننا نحسب حساباً للمصالح الوطنية اللبنانية ونقدّر الظروف التي يمر بها البلد». ولفتت إلى أن نصر الله بكلامه هذا يتناغم إلى حد كبير مع موقف الدولة اللبنانية بلسان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بدعوته المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها على الأراضي اللبنانية، باعتبار أن قرار الحرب بيدها. فنصر الله للمرة الأولى يتطرق بوضوح لا لبس فيه للمصالح الوطنية اللبنانية، وكأنه أراد
تمرير رسالتين؛ الأولى إلى الداخل اللبناني لطمأنته على أنه ليس في وارد توسعة الحرب، وسيكون مضطراً للدفاع عن النفس في حال أن إسرائيل بادرت إلى توسعتها، وبذلك يكون قد رفع الضغوط التي يتعرض لها الحزب على المستويين الرسمي والشعبي بتحذيره من استدراجه لبنان للحرب.
أما رسالته الثانية فهي موجهة، كما تقول المصادر السياسية لـ«الشرق الأوسط»، إلى المجتمع الدولي، ومن خلاله إلى الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي يبلغها فيها بأن لا نية لديه في توسعة الحرب، وذلك رداً على الضغوط الدولية التي تُمارس على لبنان محذّرة من الانزلاق نحو الحرب. إلا أن حرص نصر الله على تسطيره لهاتين الرسالتين لن يحجب الأنظار عن تقديمه للأسباب التي أملت عليه بأن يأخذ المبادرة في 8 تشرين الأول الماضي،
أي بعد يوم على اجتياح «حماس» للمستوطنات الإسرائيلية، إلى مساندة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بذريعة أنه أفقد إسرائيل عنصر المفاجأة، ما منعها من شن حرب على لبنان.
كما أن حديث نصر الله عن التضحيات التي يقدمها الحزب حتى الآن في مساندته لـ«حماس»، ليس موجّهاً إلى اللبنانيين وإنما إلى حلفائه الفلسطينيين في محور الممانعة، وكأنه أراد أن يرد على ما كان صرّح به القيادي في «حماس» خالد مشعل في الأيام الأولى لبدء الاجتياح الإسرائيلي البري لغزة بقوله إن تدخل «حزب الله» لا يكفي، مع أن نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري (اغتالته إسرائيل مساء الثلاثاء) بادر فوراً للتدخل بلقائه نصر الله، ما أدى إلى منع ردود الفعل عليه واستيعاب تداعياته، وبالتالي التعامل مع موقفه وكأنه لم يكن.
ورأت مصادر محسوبة على محور الممانعة بأن حجم التضحيات التي يقدّمها الحزب، مع اتساع رقعة المواجهة على الجبهة الشمالية، تمنع من يحاول المزايدة عليه فلسطينياً، وقالت لـ«الشرق الأوسط» بأن لا مبرر للقفز فوق المصالح الوطنية اللبنانية والدخول معه في مزايدة لا جدوى منها، خصوصاً أن لا مكان للتذرُّع بدخوله في الحرب فيما قدّم حتى الآن هذا الكم من الشهداء.
لكن يبقى الأهم، في إصرار نصر الله على عدم جنوحه نحو الحرب المفتوحة مع إسرائيل، يكمن في أنه بموقفه هذا يوفر الزخم المطلوب للجهات الدولية التي تضغط على إسرائيل لمنعها من توسعتها، بحيث تشمل الجبهة الشمالية، ويمكن لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن العائد إلى تل أبيب في زيارة خامسة بأن يستقوي به في ضغطه على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وفريق حربه؛ لمنعه من إقحام لبنان في حرب تشكل امتداداً لتلك التي تشهدها غزة، وبذريعة أن الحزب ليس في وارد تطوير موقفه في مساندته لـ«حماس» إلى الانخراط في الحرب.
والأمر نفسه ينسحب على مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة أموس هوكشتاين الذي يزور إسرائيل حالياً للتوسط بينها وبين لبنان لترسيم الحدود البرية على امتداد الجبهة الشمالية، وسيكون في وسعه، كما تقول المصادر، أن يتسلّح بموقف نصر الله للجم جنوح نتنياهو وفريقه للاقتصاص من لبنان باستهدافه بحرب لا مبرر لها، ما دام أن الحزب أسقط ما لديه من ذرائع يمكنه التلطي خلفها لإلحاقه بالحرب في غزة.
وإلى أن يقرر الوسيط الأميركي عودته إلى بيروت، هناك من يسأل ما إذا كانت شكوى لبنان إلى مجلس الأمن بانتهاك إسرائيل سيادته باغتيالها العاروري يمكن أن تشكل مناسبة لتعويم القرار 1701 وصولاً لتطبيقه، رغم أن نصر الله كعادته على غرار مواقفه السابقة تحاشى الحديث عنه في خطابه أول من أمس.