بمعزلٍ عن حجم الرَّد الذي بدأه “حزب الله”، أمس السبت، إنتقاماً لإغتيال القياديّ في حركة “حماس” صالح العاروري، يبقى البحثُ متمحوراً حول كيفية عدم تكرار سيناريو الإغتيال مع قيادات أخرى، سواء من الحركة أو من “حزب الله” بشكلٍ خاص.
الرّدود التي ينفذها الحزب ميدانياً مُؤلمة للإسرائيليين، فهي نتيجة حتمية لأيّ إغتيال قد تُقدم عليه تل أبيب وآخرها كان أمس من خلال قصف قاعدة ميرون الجوية العسكرية.. ولكن، الأسئلة الأكثر بروزاً وسط كل ذلك هي التالية: ماذا بعد الإغتيال والرّد؟ كيف ستكون الحماية؟ ما الذي قد تُقدم عليه “حماس” بالتعاون مع “حزب الله” لإفشال سيناريوهات الإغتيالات؟
تقول المعلومات إنَّ “حماس” تتكتّم تماماً عن أيّ خطوة مُقبلة قد تُقدم عليها، سواء على صعيدها السياسي أو العسكريّ في لبنان. حتى الآن، ما زال البحث مُستمراً بشأن خليفة العاروري، وهنا يبرز إسمان أساسيان لتولي مسؤولية “نائب رئيس المكتب السياسي للحركة” وهما زاهر جبارين وأسامة حمدان. وبينما لم يتم حسم التوجه الخاص بالمسؤول الجديد، يمكن أن يبرزَ إسمٌ ثالث على الخط، لكنه رغم ذلك فإنَّ المسألة لا تقف هنا، فتعيين أي شخصٍ قيادي في الحركة بمنصب العاروري ليس أمراً صعباً، فالعبرة تكونُ في النهج والقدرة على التخطيط.
فعلياً، ما يدور حالياً في أروقة “حماس” هو الدفعُ باتجاه إجراء قراءة ذاتية وفعلية لإكتشاف الخرق الذي أطاح بالعاروري، علماً أن الحركة تتكتم تماماً عن الحديث بهذا الأمر، فالمسؤولون فيها يتجنبون الإفصاح عن أي معلومة. حتى بشأن كتائب “القسام” في لبنان، فهناكَ تحفّظٌ كبير عن دورها المُستقبلي خصوصاً أن إسرائيل باتت تلاحقها، ليس فقط في غزة، بل في لبنان أيضاً.
كل هذه الأمور تُعدّ مهمة في مرحلة ما بعد إغتيال العاروري والرد على إستهدافه. قد يكون ما حصل بمثابة قاعدة أساسية لإعادة النظر بإجراءات الحماية الأمنية لمختلف قادة “حماس” في لبنان. الإنعطافة الأكبر لن تكون هنا بل ترتبطُ بما قد يتم كشفهُ داخل أروقة الحركة من خروقات أمنية يجب التعامل معها لسدّ الثغرات، لاسيما أن إسرائيل تستغلّ كل هذه الأمور للوصول إلى قادة “حماس” وغيرهم بأسهل طريقة ممكنة. وسط كلّ ذلك، يبرز حديثٌ عن دور “حزب الله” في مساعدة “حماس” في سد الثغرات الأمنية.. ولكن، هل الأمر قائم؟ وهل يمكن أن يفعله الحزب؟ أوساطُ مطلعة على أجواء الأخير تقول لـ”لبنان24″ إنَّ معظم مسؤولي “حماس” يقطنون في مناطق تابعة للحزب وخاضعة لسيطرته، لكن هذا الأمر لا يعني أن هؤلاء يأخذون أوامر تحركاتهم من الحزب.
بالنسبة للمصادر، فإنَّ التنسيق الأمني قائمٌ بين “حماس” و “حزب الله”، كما أن هناك مكاتب مخصصة لتبادل المعلومات ومقاطعتها، ويُقال إنَّ الحزب حذر العاروري مراراً من أن تحركاته قيد الرصد والمراقبة. وفقاً للمصادر، فإنّ ما يقوم به الحزب يقفُ عند هذا الحد، أما أن يؤمّن حماية للعاروري، فهذا الأمرُ لم يكن قائماً ولن يكون وارداً مع الشخصية التي ستخلفه.
مصادر الحزب تعتبرُ أيضاً أنَّ الحديث عن حصول خرقٍ له بسبب مقتل العاروري ليس أمراً منطقياً بالدرجة الكافية، وتُضيف: “الحزب لم يكن يوماً مسؤولاً عن الحيثيات الأمنية للعاروري.. يمكن أن يكون مساهماً في تقديم الأماكن له أو لغيره، لكن أن يتم توفير عناصر أمنية للحماية فهذا الأمر غير وارد ولم يحصل أصلاً”. وفق المصادر، فإنّ الدليل الأكبر على أن الحزب لم يوفر حماية أمنية للعاروري هو أن القصف الذي استهدف الأخير في الضاحية الجنوبية لبيروت لم يُسفر عن إستشهاد أي عنصرٍ من “حزب الله”.
المصادر عينها تقولُ أيضاً إنَّ الحزب قد لم يقُم أصلاً بإتخاذ تلك الخطوة، أي فرزِ حماية أمنية خاصة من “حزب الله” لأي مسؤول فلسطيني من “حماس”، باعتبار أنَّ هذا الأمر لن يكون جيداً بحق الحركة وكوادرها، وتضيف: “التنظيم الفلسطيني له مكوناته العسكرية وله عناصره الأمنية وتشكيلاته الداخلية، وحزب الله لا يتدخل بها وحدوده معروفة.. إذاً لا يمكن تحميل الحزب ما لا طاقة له به”. وفي ظل المشهدية هذه، يأتي السؤال الأهم: ما الذي قد تُقدم عليه “حماس” مع “حزب الله” لإحباط سيناريوهات الإستهدافات؟ الأمرُ هذا قد لا ينجحُ 100%، فـ”الخروقات” كبيرة، وطالما أنّ الحركة لم تعمل على حل الثغرات الأمنية داخلها، فإن أمر إستهداف القيادات الأخرى واردٌ أيضاً. أبسطُ خطوة يمكن اتخاذها للحماية حالياً هي أن يتم تغيير أماكن الإجتماعات وتخفيف التنقلات والتموضع في مناطق يصعبُ الوصول إليها بعكس ما حصل مع العاروري الذي كان يتواجد في شقةٍ مكشوفة تماماً على الشارع العام وسط الضاحية الجنوبية، وبالتالي يمكن لأي طائرة مُسيرة أو أي صاروخ أرضي أن يطالها بسهولة.
المسألةُ التي حصلت تطرحُ الكثير من علامات الإستفهام، والسؤال الأكثر بروزاً هنا هو التالي: من الذي اختار هذه الشقة ليجتمع بها العاروري؟ من الذي حدّد لحظة الإجتماع؟ لماذا هناك؟ بكل بساطة، كل من كان على علمٍ بتحركات العاروري يجب أن يخضع للتحقيق، فالأمرُ ليس سهلاً خصوصاً أن الأخير كان يجتمع مع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، وبالتالي فإن تحركاته باتجاه الأخير قد تكون تعرّضت للخرق ولو بنسبة بسيطة، ما يعني مواجهة أمين عام الحزب للخطر. قد يُقال هنا إنّ الأمن الذي يحظى به نصرالله كبير ودقيق، ولكن، ما الذي يمنع حدوث ثغرات بسبب “خروقات” غير معروفة؟ أن يكون العاروري مرصوداً بهذه الدقة، عندها فإنّ الخطر كان يلازمه بكل تحركاته حتى لحظة اجتماعه مع نصرالله. لهذا السبب وغيره، يجدر البحث في الثغرات ومعالجتها، وإلا فإن سُبحة الإستهدافات ستطول، وهذا ما تسعى إسرائيل لتحقيقه في لبنان قبل غزة.