كتب طارق ترشيشي في” الجمهورية”:
برزت حركة نيابية اتخذت طابعاً تشاورياً مبدئياً، وجاءت أشبه بمحاولة سَبر اغوار او جَس النبض واكتشاف حقيقة النيّات في اتجاه تكوين تكتل نيابي ذات طابع مستقل، مع انه ليس هناك من احد مستقل نيابيا او سياسيا في بلد متعدد المشارب والكتل والانتماءات السياسية والطائفية والمذهبية التي لا يمكن ايّ كان ان يتحرّر منها حتى ولو لبس مئة لبوس من الوطنية والاستقلالية. فتاريخ الحياة السياسية اللبنانية حافل بتجارب من هذا النوع بدأت “مستقلة” وانتهت منغمسة في الانحياز حزبياً او طائفياً او مذهبياً ليتبيّن انّ اصحابها توسّلوها لتحقيق مصلحة ضيقة آنية سياسية او انتخابية او شخصية وخاصة.
في هذه الآونة يسجّل في هذا السياق حراك تقوم به كتلة «الاعتدال الوطني» بالتعاون والتنسيق مع عدد من النواب الذين يصنّفون أنفسهم «مستقلين» عن الكتل السياسية والنيابية وتأثيراتها في اللعبة داخل المجلس النيابي وفي مدار الاستحقاق الرئاسي وخارجه.
وقد انطلق هذا الحراك بلقاء أوّلي انعَقد اخيراً في منزل نائب بيروت نبيل بدر، وشارك فيه 10 نواب اعتبروا أنفسهم ممثّلين لستة عشر نائباً عبّروا عن استعدادهم للتعاون ضمن تكتل واحد لتحريك مياه الاستحقاق الرئاسي الراكدة لعل الامر يساعد على إنجازه ووضع حدّ للفراغ في سدة رئاسة الجمهورية تمهيداً لإقامة السلطة الجديدة التي كان ينبغي ان تنشأ دستورياً إثر الانتخابات النيابية التي أنتجت المجلس النيابي الحالي مطلع صيف 2022. والذين شاركوا في هذا اللقاء كانوا نواباً يمثّلون كتل “الاعتدال الوطني” ونواب صيدا (عبد الرحمن البزري، اسامة سعد، شربل مسعد) و”لبنان الجديد” و3 من النواب الذين يسمّون أنفسهم «تغييريين» وهم: حليمة قعقور وسينتيا زرازير والياس جرادة.
وبحسب احد النواب الذين شاركوا في هذا اللقاء الذي اتخذ طابعاً تشاورياً، فإن المجتمعين يطمحون الى تكوين تكتل نيابي يجمع نواباً مستقلين عن كل الكتل النيابية الحالية، ليكون له تأثيره في مجرى الاستحقاق الرئاسي على مستوى انتخاب الرئيس الجديد، فضلاً عن تأثيره في اللعبة النيابية على مستوى العمل التشريعي والورشة الاصلاحية، المَطلوب داخليا ودوليا من الحكومة ومجلس النواب الاضطلاع بها.
غير انّ مصادر نيابية متابعة قالت ان هذه الحركة النيابية لا تختلف عن سابقاتها التي أُريد منها تحقيق مصالح آنية سياسية او خاصة لأصحابها، فمنذ بداية الاستحقاق الرئاسي والى اليوم جَرت محاولات كثيرة لإنشاء كتل وتجمعات نيابية سرعان ما تفرّق شملها نتيجة التضارب بين المصالح السياسية والخاصة لأصحابها، خصوصاً انه قد تولّد لدى الرأي العام اللبناني اقتناع في انّ الهدف المادي بات يَكمن خلف اي محاولة لتأليف اي تكتل او تجمّع نيابي من خارج الكتل التقليدية القائمة والمعروفة، وان كان بعضها يعرف من اين تؤكل الكتف! وقد ازداد هذا الاقتناع مع ما تردّد من معلومات العام الماضي والآن عن رشاوى تلقّاها او سيتلقّاها البعض لقاء التصويت لهذا المرشح او ذاك، وذهب البعض الى الحديث عن «شنط» محضّرة للاستخدام في “اليوم الرئاسي الموعود”.
ولذلك تستبعد المصادر النيابية ان يكتب للقاء النيابي “المستقل” المنوي إطلاقه النجاح لأنّ الذين يريدون الانضمام اليه تحكمهم المصالح المتناقضة التي لا تمكنهم من التلاقي على انتخاب مرشح للرئاسة بعينه، خصوصاً انّ ما يحكم كل هؤلاء هو تفكيرهم في مستقبلهم السياسي في ظل عهد الرئيس الجديد، ولذلك سيحرص كل منهم ان يكون من مؤيّديه حتى يحظى بمكاسب سياسية تتمثّل بمقعد وزاري او حظوة تمكّنه من الفوز مجدداً في الانتخابات النيابية التي ستجري في عهد الرئيس العتيد. ولذا، فإنّ التردد في الموقف سيحكم هؤلاء قبل الاقدام على الاصطفاف في تكتل نيابي يمكن ان يخطئ الخيار الرئاسي ويعرّض مصالحهم السياسية الراهنة والمستقبلية للخطر.