عشاء عائلي.. هل يؤسّس لقاء كليمنصو للخرق الموعود رئاسيًا؟!

19 يناير 2024
عشاء عائلي.. هل يؤسّس لقاء كليمنصو للخرق الموعود رئاسيًا؟!


 في غمرة الاستحقاقات والاهتمامات التي تشغل اللبنانيين هذه الأيام، سواء على المستوى الأمني حيث لا تزال طبول الحرب تُقرَع على وقع العمليات العسكرية والتهديدات الكلامية المتصاعدة جنوبًا، أو على المستوى السياسي في ظلّ الفراغ المتواصل في سدّة رئاسة الجمهورية، وانعكاساته على كل القطاعات، نجح ما وُصِف بـ”العشاء العائلي” في كليمنصو في خطف الأنظار، فاتحًا الباب أمام سلسلة من علامات الاستفهام، وكذلك التكهّنات.

 
فقد استقطب اللقاء الذي جمع رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” السابق وليد جنبلاط، ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، بحضور عائلتي الرجلين، الاهتمام على أكثر من مستوى، ولا سيما أنّه قد يكون الأول من نوعه على هذا المستوى منذ فترة طويلة، وإن تمّ التحضير له بسلسلة لقاءات تمهيديّة، علمًا أنّ البيان الذي صدر بشأنه عن “الاشتراكي” أفرط في “العمومية”، إن جاز التعبير، بإشارته إلى أنّ العشاء العائلي “تناول مختلف الشؤون العامة”.
 
وفي حين لم يحدّد البيان “ماهيّة” الشؤون العامة التي تناولها اللقاء، تاركًا المجال للتسريبات الصحافية للتكهّن بها، بين الاستحقاق الرئاسي الذي يهمّ “المردة”، واستحقاق التعيينات العسكرية الذي يشغل “الاشتراكي”، واستحقاق الحرب التي يخشاها جميع اللبنانيين، بقيت الأسئلة مفتوحة على مصراعيها، فهل يؤسس هذا اللقاء للخرق “الموعود” رئاسيًا، وهل يفتح الباب أمام معادلة جديدة، كأن يختار جنبلاط دعم فرنجية، فتختلط كلّ الأوراق الرئاسية؟!
 
“عشاء عائلي” 
يرفض المحسوبون على كلّ من جنبلاط وفرنجية، والدائرين في فلك حزبيهما، الاستفاضة بالحديث عمّا دار في اللقاء، متمسّكين بالعنوان الذي أعطي له وهو “عشاء عائلي”، ما يضعه في سياق اجتماعيّ بالدرجة الأولى، بدليل الحضور الذي لم يقترض على السياسيين، بل شمل الزوجات والأبناء، وذلك بمعزل عن كل الاستحقاقات السياسية، وإن كان من الطبيعي أن يحضر طيفها بشكل أو بآخر، كما تحضر هذه الأيام اصلاً في كلّ اللقاءات الاجتماعيّة.
 
وفي حين لا يخفى على أحد حجم “الرهانات” التي وُضِعت على هذا اللقاء، والتي صوّرته على أنّه سيكون “فاصلاً” بين مرحلة وأخرى، يقول العارفون إنّ المطلوب “عدم تحميل اللقاء أكثر ممّا يحتمل”، فهو بالصفة “العائلية” التي سيطرت عليه، جاء تتمّة لسلسلة لقاءات عقدت في الآونة الأخيرة بين قيادتي “الاشتراكي” و”المردة”، في سياق التواصل المفتوح من جانب الطرفين أصلاً مع مختلف الأفرقاء، ولو أنّ لكلّ منهما عناوين “منفصلة” يطرحها.
 
بهذا المعنى، يقول العارفون إنّ عشاء كليمنصو يأتي ليؤكد على فكرة “التواصل” هذه، بمعزل عن النتائج المتوخّاة، فرئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” من دعاة الحوار والتواصل، وقد أطلق العديد من المبادرات في الآونة الأخيرة بهذا الخصوص، ومثله رئيس تيار “المردة” يسعى اليوم لإعادة إحياء تواصله مع مختلف القوى السياسية، علمًا أنّه التقى في الأيام الأخيرة قائد الجيش العماد جوزيف عون، وهو اللقاء الذي وُصِف بـ”المعبّر” في بعض الأوساط.
 
هل من انعكاسات على الرئاسة؟ 
إذا كان المطّلعون على أجواء اللقاء يدعون إلى “عدم تحميل” عشاء كليمنصو “أكثر ممّا يحتمل”، فإنّ كثيرين يفهمون هذه “الرسالة” تحديدًا على أنّها تحمل “بُعْدًا رئاسيًا” بالدرجة الأولى، خصوصًا لأولئك الذين كانوا يتوقّعون أن ينتهي اللقاء بـ”انعطافة جنبلاطية” على سبيل المثال لصالح فرنجية، أو الذين رجّحوا الذهاب إلى “مقايضة” بين التعيينات العسكرية ورئاسة الجمهورية، في “سيناريو” قد لا يبدو واقعيًا في الكثير من جوانبه.
 
لكنّ كلّ هذه الاستنتاجات تبدو بعيدة المدى حتى الآن على الأقلّ، وفقًا للعارفين، الذين يؤكدون أنّه لم يكن مُنتظَرًا أصلاً من عشاء كليمنصو أن يغيّر في “التموضع الرئاسي” لأيّ من الطرفين، علمًا أنّ رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” يقول دائمًا إنّ المطلوب تفاهم أشمل على الرئاسة، يجب أن يمرّ بأحد “القطبين المسيحيين”، أي رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، أو رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، أو كلَيْهما بطبيعة الحال.
 
عمومًا، يقول العارفون إنّ اللقاء بين جنبلاط وفرنجية يمكن “البناء عليه”، على مستوى الاستحقاق الرئاسي وعلى مستوى غيره من الاستحقاقات التي نوقشت فيه بطبيعة الحال، ولكنّه لا يمكن أن يشكّل “الحلّ”، أو حتى “المدخل إليه”، فالمطلوب هو تفاهم وطنيّ وشامل، لا يزال عصيًا، مع “مراوحة” مواقف مختلف الأفرقاء مكانها، بما فيها تلك التي لا تزال رافضة لمبدأ الحوار، على الرغم من كلّ شيء.
 
قد تكون “العِبْرة” من اللقاء بين جنبلاط وفرنجية في تكريس مبدأ الحوار والتواصل بين اللبنانيين بالدرجة الأولى، تواصلٌ لا يزال “مقطوعًا” بين شرائح واسعة لأسباب غير مفهومة، فيما البلاد لا تعيش على وقع فراغ رئاسي تخطّى عامًا وشهرين، بل تقف على حافة “حرب حقيقية” من دون حدّ أدنى من “الحصانة الذاتية”، التي تتطلب وحدة وطنية، ولو بالحدّ الأدنى، فهل يتلقّف الجميع الرسالة، أم أنّ المراوحة ستبقى الغالبة؟!