تزداد يوماً بعد يوم التحذيرات الدوليّة للبنان وإسرائيل من خطورة إندلاع الحرب بين “حزب الله” والعدوّ الإسرائيليّ، لما لها من تداعيات خطيرة ليس فقط على اللبنانيين والإسرائيليين، وإنّما على المنطقة ككلّ، وعلى العالم. وكان آخر تنبيه أطلقه أمين عامّ الأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش، في مؤتمر دافوس، في سويسرا، إذ قال إنّ المواجهة بين بيروت وتل أبيب “ستكون كارثيّة تماماً”.
ويبدو أنّ مؤشّرات توسّع الحرب في غزة إلى الدول المُجاورة تتفاقم، ولعلّ أكبر خطر بتمدّد الحرب إلى لبنان، إستمرار المعارك في غزة، وخصوصاً وأنّ الحكومة الإسرائيليّة تتحدّث عن بقاء المواجهات مع حركة “حماس” إلى العامّ 2025. ويرى العديد من المراقبين أنّ الضغوطات الخارجيّة على بنيامين نتنياهو لوقف إطلاق النار، ستُؤدّي حكماً إلى عزله من منصبه، لأنّ المعارضة الإسرائيليّة تتعاظم ضدّ سياسته، ولفشله في صدّ هجوم “طوفان الأقصى”، وتحرير الرهائن، وتحقيق أهداف حملته العسكريّة على الفصائل الفلسطينيّة.
وفي موازاة ذلك، فإنّ أمين عامّ “حزب الله” السيّد حسن نصرالله أعلن أنّ جبهة جنوب لبنان ستبقى مشتعلة، طالما أنّ الحرب في غزة مستمرّة، إذ قال إنّ “المقاومة” ستبقى تُساند “حماس”، وإنّ المنطقة الحدوديّة الجنوبيّة مُلزمة بمُساعدة الحركة الفلسطينيّة وحلفائها، ضدّ العدوان الإسرائيليّ.
وأيضاً، يتخوّف المراقبون من أنّ يفتح نتنياهو حرباً في الضفة الغربيّة، التي تشهد سلسلة من العمليّات اللافتة ضدّ المستوطنين الإسرائيليين، وجنود العدوّ هناك. وقد سحب الجيش الإسرائيليّ البعض من وحداته في غزة، لنقلها إلى الضفة، للتدخّل سريعاً، في حال اتُّخذ القرار باقتحامها، للقضاء على المقاومين هناك.
ويُشير المراقبون إلى أنّ الحرب، وتوسّعها، أو إبقاء المعارك على ما هي عليه حاليّاً مع “حماس” و”حزب الله”، تُعتبر السبيل الوحيد لبقاء نتنياهو على رأس السلطة الإسرائيليّة، أمّا وقف إطلاق النار، فيقضي حكماً على مستقبله السياسيّ. ويقول المراقبون إنّ الجيش الإسرائيليّ بإمكانه الإستمرار بالحرب، والإعتداء على الفلسطينيين في غزة وفي الضفة الغربيّة على حدٍّ سواء، حتّى من دون أنّ يستعيد الرهائن من “حماس”، وهذا حصل مراراً، فهناك محتجزون إسرائيليون حتّى اللحظة في قبضة الفصائل الفلسطينيّة، ولم تتمكن تل أبيب من إسترجاعهم بعد.
وتُدرك إسرائيل بحسب المراقبين، أنّ “حماس” لا يُمكنها قتل أو إعدام الرهائن لديها، حتّى لو طالت الحرب، لأنّهم ورقة تفاوض، وهي تسعى من خلالهم إلى تحرير العديد من الأسرى في السجون الإسرائيليّة، ومنهم شخصيّات فلسطينيّة بارزة، واستعمالهم لفرض شروطها إنّ نجحت في التوصّل إلى هدنة جديدة، أو وقف إطلاق النار.
وتجدر الإشارة في هذا السيّاق، إلى أنّ الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أشار في آخر إطلالة له، إلى أنّ عناصر “حزب الله” لم يتعبوا بعد 100 يومٍ من المعارك، ورفع من سقف تهديداته للعدوّ الإسرائيليّ، وقال إنّ “المقاومة” في لبنان مستعدّة للحرب، ولأيّام كثيرة من الإشتباكات على الحدود الجنوبيّة.
ويلفت المراقبون إلى أنّ هناك مؤشّراً جديداً لإمكانيّة توسّع الحرب، وهي الضربات الأميركيّة والبريطانيّة على مواقع الحوثيين في اليمن، وقد تبع هذه الخطوة التصعيديّة، إستهداف الحوثيين لناقلة نفط أميركيّة، وإعلان المزيد من شركات الشحن العالميّة عن توقّفها عن نقل البضائع في البحر الأحمر، والمناطق التي يُسيطر عليها “أنصار الله”. كذلك، فإنّ واشنطن ردّت لأوّل مرّة على الضربات التي كانت تطال قواعدها في سوريا والعراق، وقصفت موقعاً للحشد الشعبيّ.
ويُعلّق المراقبون على ردّة الفعل الأميركيّة، ويقولون إنّ واشنطن أصبحت طرفاً أساسيّاً إلى جانب بريطانيا، في الدفاع عن إسرائيل، ليس فقط بدعمها بالسلاح، وإنّما بالتدخّل في الحرب عسكريّاً، وحتّى لو بدت إدارة الرئيس جو بايدن تُصوّر نفسها أنّها مُدافعة عن مصالحها، وعن حريّة الملاحة البحريّة. ويُضيف المراقبون أنّ الولايات المتّحدة أعادت إدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب، والإتّحاد الأوروبيّ بصدد إرسال سفن لحماية التجارة في البحر الأحمر، ما يعني أنّ الهجمات الغربيّة على اليمن ستزداد، إنّ استمرّ إستهداف السفن التجاريّة.
وأمام كلّ ما ذُكِرَ، من الواضح أنّ منطقة الشرق الأوسط تمرّ بفترة عصيبة، وقد تتوسّع الحرب في أيّة لحظة لتطال لبنان واليمن وسوريا والعراق وإيران، وحتّى لو لم يكن هناك من نيّة فعليّة لدى الدول المهمّة، إضافة إلى إسرائيل و”حزب الله” بتمدّدها، لكن المؤشرات السابقة تدلّ على أنّ الإستقرار ليس قريباً، والهدوء لن يعود إلّا بتسويّة كُبرى، يخرج من خلالها الجميع “رابحين”.