يستقطب الحراك السياسي اللافت الذي يقوده “الحزب التقدمي الاشتراكي” منذ أيام، الاهتمام في الأوساط السياسية، خصوصًا بعد اللقاءين اللذين جمعا قيادة “الاشتراكي” مع كلّ من رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، ورئيس الحزب “الديمقراطي اللبناني” طلال أرسلان، واللذين طرحا علامات استفهام حول مآلات سياسة “الانفتاح” التي يبديها الحزب بقيادة تيمور وليد جنبلاط، وما إذا كان في صدد “انعطافةٍ ما” تشبه “انعطافات” والده الشهيرة.
Advertisement
فعلى الرغم من أنّ اللقاء بين آل جنبلاط وآل فرنجية ارتدى طابعًا “اجتماعيًا”، وقد وُصِف بالعشاء “العائلي”، وأنّ “الحزب التقدمي الاشتراكي” حرص في البيان المقتضب عنه على الإشارة إلى أنّه تناول “الشؤون العامة” من دون تحديد ماهية هذه الشؤون، إلا أنّه أثار الكثير من التكهّنات حول إمكانية انتقال “الاشتراكي” بنتيجته إلى “دفّة” دعم ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية، بعدما ثبت عجز قوى المعارضة عن إيصال مرشحيها بكلّ الطرق.
ولعلّ اللقاء بين “الاشتراكي” و”الديمقراطي” جاء ليعزّز مثل هذا الانطباع، بعيدًا عن “رمزيته الدرزية الخالصة”، باعتبار أنّ انتماء النائب السابق طلال أرسلان إلى ما كان يُعرَف ب”قوى الثامن من آذار”، التي يُعتبَر فرنجية مرشحها الرئاسي قد يكون له دلالته ومعانيه أيضًا، ما يفتح الباب على المزيد من علامات الاستفهام، فما هي الرسائل التي يوجّهها “الاشتراكي” بحراكه المستجدّ؟ وهل بات احتمال “الانعطافة” أقوى من أيّ وقت مضى؟!
“الاشتراكي” ثابت على “الانفتاح”
يقول المحسوبون على “الحزب التقدمي الاشتراكي” إنّ اللقاءين اللذين شكّلا “الحدث” هذا الأسبوع لا يفترض أن يشكّلا “مفاجأة لأحد”، فهما يندرجان ضمن سياسة “انفتاح” لطالما اتّسم بها أداء الحزب، وهو الثابت دومًا على دعوة الجميع إلى التحاور والتلاقي، علمًا أنّ هذه الدعوات ارتفع منسوبها في الفترة الأخيرة، خصوصًا بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، ونظيرتها “الموازية لها” في جنوب لبنان.
وفيما يذكّر هؤلاء بأنّ “الحزب التقدمي الاشتراكي” بادر منذ اللحظة الأولى لحرب غزة، بشخص رئيسه السابق وليد جنبلاط، إلى إطلاق المبادرات “الجامعة” تحضيرًا لكلّ “السيناريوهات المحتملة” على “جبهة لبنان”، يلفتون إلى أنّ جولات “الاشتراكي” شملت كلّ الأطراف، في الموالاة والمعارضة بلا تمييز، فهو انفتح على “حزب الله”، كما انفتح على خصومه، انطلاقًا من اعتقاده بوجوب تحصين الساحة بحدّ أدنى من الوحدة الوطنية.
إلى ذلك، يشير المحسوبون على “الاشتراكي” إلى أنّ لكلّ من اللقاءين مع فرنجية وأرسلان “سياقه الخاص”، فضلاً عن “حيثيّته”، فالاجتماع مع رئيس تيار “المردة” جاء استكمالاً لجهودٍ بدأت بين الحزبين منذ أكثر من أسبوعين، في حين أنّ اللقاء مع رئيس الحزب “الديمقراطي اللبناني” يأتي في سياق “تحصين” الساحة الدرزية بالدرجة الأولى، علمًا أنّ “الاشتراكي” تحديدًا دأب على مثل هذه اللقاءات، حتى في مراحل “الخصومة والتنافس”.
هل من “انعطافة” قريبة؟!
استنادًا إلى ما تقدّم، يقلّل “الاشتراكيون” من شأن كلّ الاستنتاجات والتحليلات “المُبالَغ بها” التي أعقبت اللقاءين، وذهب بعضها لحدّ الحديث عن “انعطافة جنبلاطية” من شأنها حسم المعركة الرئاسية لصالح رئيس تيار “المردة”، باعتبار أنّ “الاشتراكي” أدرك أنّ “لا مَخرَج” للاستحقاق الرئاسي سوى بالانضمام إلى خيار “معسكر حزب الله”، وبالتالي تأمين الأصوات اللازمة لمرشح الحزب، أي فرنجية، وهو ما مهّدت له الأجواء “الودية” مع الأخير.
يؤكد هؤلاء أنّ مثل هذه المقاربة لا تعكس المعطيات الواقعية والدقيقة، فـ”الاشتراكي” لم يقدّم لفرنجية أيّ “وعود مجانية” قبل أو خلال اللقاء معه تتعلق بالاستحقاق الرئاسي، ولا فرنجية طلب منه ذلك أصلاً، وبالتالي فإنّ كل ما يُحكى عن “مقايضة” بين رئاستي الجمهورية والأركان لا أساس لها من الصحة، بل يشكّل “إهانة” لفرنجية قبل غيره، وهو ما يؤكد الأخير أصلاً أنه ليس بصدده، وهو الذي يصوّر نفسه مرشحًا “توافقيًا وتوفيقيًا” بين اللبنانيين.
وفي حين يقول “الاشتراكيون” إنّهم ثابتون على موقفهم من الاستحقاق الرئاسي، وهم يدعون فرنجية كما غيره من المرشحين المُعلَنين أو المُضمَرين، إلى ضمان “التوافق”، والحصول على دعم أحد القطبين المسيحيين أولاً، يقول العارفون بأدبيّاتهم إنّ كل الاحتمالات تبقى مفتوحة، وكل السيناريوهات واردة، ولا سيما أنّ “الاشتراكي” منفتح على كلّ الخيارات التي تسمح بوضع حدّ للفراغ المستمرّ في رئاسة الجمهورية.
يقول العارفون إنّ “الاشتراكي” لا يزال حتى الآن، ثابتًا على “تموضعه الرئاسي” المُعلَن، ليس مع ترشيح جهاد أزعور بالضرورة، في ظلّ اعتقاد شريحة واسعة بأنّ “التقاطع” عليه قد أصبح “في خبر كان”، ولكن مع “التوافق” الذي لا يبدو أنّه يسري على فرنجية، في ظلّ المعارضة الواسعة له. إلا أنّ هؤلاء يشيرون إلى أنّ رسائل “الاشتراكي” من لقاءاته الأخيرة قد لا تكون “بريئة” من الدلالات “الرئاسية”، وهنا بيت القصيد!