الوجدان السنّي اللبناني لم يتغيّر ولو خدع “الحزب” الأقليّة!

23 يناير 2024
الوجدان السنّي اللبناني لم يتغيّر ولو خدع “الحزب” الأقليّة!

كتب جورج حايك في موقع “لبنان الكبير” لا يختلف اثنان على أن القضية الفلسطينية لها مكانة خاصة في وجدان الطائفة السنيّة في لبنان تاريخياً، بصرف النظر عما حصل في الحرب اللبنانية عام 1975، والعِبَر التي خرج بها السُنّة، بعدها جاء اتفاق الطائف ثم ثورة الأرز عام 2005، ليصبح لبنان هو القضية الأولى والمركزيّة لدى السنّة بعدما خاضوا معمودية الدمّ في استشهاد الرئيس رفيق الحريري.

مع ذلك، لم تغب القضية الفلسطينيّة عن بالهم، فهي الجرح النازف في الخاصرة العربية ككل، وكلّما حصل اعتداء اسرائيلي على الشعب الفلسطيني، يهبّ أهل السنّة في لبنان بصدق للدفاع عنه، وليس للمتاجرة بقضيته كما يفعل بعض التنظيمات التي تدور في فلك محور الممانعة.

وعندما حصلت عملية “طوفان الأقصى” التي قامت بها حركة “حماس”، كان من الطبيعي أن يتفاعل الجمهور السنّي اللبناني معها، فعلى الرغم من أن “حماس” محسوبة على محور الممانعة ويصل إليها السلاح من إيران، إلا أنها تنتمي دينياً إلى السُنّة، وتحديداً جماعة “الأخوان المسلمين”، ولا يمكن إلا أن يتفاعل معها السُنّة في لبنان، متجاوزين كل الاختلافات في بعض وجهات النظر، فلا صوت يعلو فوق صوت المواجهة مع المغتصب الاسرائيلي، وفق أدبياتهم، وخصوصاً بعد كل مجازر الابادة التي يُمارسها ضد الشعب الفلسطيني في غزة، علماً أن المنحى الذي تأخذه المعركة في بعض جوانبها لا يخلو من الاعتبارات الدينية.

في ظل الاندفاعة السنيّة اللبنانية الحماسية والعاطفية نصرة لفلسطين، تسلّل “حزب الله” بخبث ليستميل بعض الجماعات السنيّة، ويوحي للعالم أجمع بأن مقاومته تنسّق مع الطوائف الأخرى في لبنان، والجبهة لا تقتصر على مقاتلين شيعة فقط، ليكسب تعاطف الشارع العربي والاسلامي مجدداً، علماً أن الجماعات السنيّة التي تقوم ببعض العمليات الرمزية على الحدود الجنوبية، تنسّق معه بل يمسك مفاتيحها جيداً، لأن لا أحد يمكنه عبور الطريق إلى القدس إلا بعد أن يأخذ رضاه.

لكن في الواقع، لم ينجح “الحزب” في إضفاء هذا التنويع على مقاومته، ولم تنطلِ خطته على أحد، والقاصي والداني يعلم أن الرايات الاسلامية السنيّة في الجنوب لا تمثّل الشارع السنّي، والعرب عموماً وسنّة لبنان خصوصاً. هؤلاء لم ينسوا أنه متّهم بإغتيال الرئيس الحريري، ولم ينسوا أحداث 7 أيار ثم قتله للشعب السوري بالتضامن والتكافل مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، مستهدفاً السنّة بالدرجة الأولى.

أما التنظيمات والجماعات السنيّة التي تحاول أن تقوم بعمليات مقاومة في الجنوب، فهي قوات “الفجر” الجناح العسكري لـ “الجماعة الاسلاميّة” في لبنان، والقوى الناصرية اللبنانية على تنوّعها وحزب “التيار العربي” لشاكر برجاوي وغيرها، واللافت أن هذه التنظيمات ليست بعيدة عن مفاهيم “الحزب” وتنسّق معه فعلاً، من دون أن يكون لها دور فاعل، وكل ما تفعله هو خدمة للأجندة الايرانية من حيث تعلم أو لا تعلم.

ويرى الخبير في شؤون الحركات الاسلامية أحمد الأيوبي أن “الحزب” لم يستطع تشكيل رأي عام سني مؤيد لعملياته في الجنوب خصوصاً بعد انكشاف أنّ طبيعة الجبهة هي طبيعة تحريكية تفاوضية تخدم أهداف إيران الاستراتيجية في المنطقة ولم تخفّف الضغط الاسرائيلي على غزة، كما أنّها لم تنطلق من أهداف لبنانية بحتة كما أعلن الأمين العام لـ”الحزب”، بالاضافة إلى الخسائر الكبيرة المباشرة في القرى الحدودية وغير المباشرة على عموم الاقتصاد اللبناني.

إلا أن الأيوبي يتفهّم موقف “الجماعة الاسلامية” التي وجدت في فتح جبهة الجنوب فرصة لتعيد تأهيل جناحها المقاوِم ولتكون حاضرة ميدانياً في القرى الحدودية السنية التي كان “الحزب” يعتبرها مسرحاً لحركته العسكرية، فبات وجود قوات “الفجر” يُشكّل نوعاً من التوازن داخل البيئة السنية الجنوبية، مع تشديد قيادة الجماعة على حصر نشاطها بالعمل المقاوم وعدم التحرّك واستخدام السلاح في الداخل. يمكن القول إنّ الجماعة تعتبر مشاركتها حالة دفاعية تضامنية مع أهل غزة ولا يجب أن ننسى الارتباط الوثيق بينها وبين حركة “حماس”.

وحتماً رأي الأيوبي يحتمل النقاش وخصوصاً إذا عرفنا أن “الجماعة الاسلامية” بدأت بمهادنة سلاح “الحزب” منذ أواخر العام 2022 أي قبل عملية “طوفان الأقصى” ومسألة المواجهات الفلسطينية -الاسرائيلية الجديدة، وذلك منذ انتخاب محمد طقوش أميناً عاماً لها، خلفاً لعزام الأيوبي. علماً أن انتخاب طقوش كان عملية لا تتناسب كثيراً مع المفاهيم الديموقراطية، وارتبطت عملية تأييده بعودة العلاقات بين حركة “حماس” والنظام السوري، بعد قطيعة لعشرة أعوام على خلفية الثورة السورية.

وليس سراً أنّ حركة “حماس” كان لها الدور الأكبر في انتخاب طقوش لتحسين علاقاتها مع إيران ومع سوريا استطراداً، وذلك لضمان الدعم الايراني الحيوي للحركة في قطاع غزة.

ولا بد من الاعتراف بأن “الجماعة الاسلامية” لم يكن موقفها معارضاً من حيث المبدأ لسلاح “الحزب”، بل هي تلتقي مع “الحزب” ايديولوجياً لجهة الاعتقاد بأمة واحدة تتجاوز الحدود، التي يُقال عنها إنها حدود مرسومة من الاستعمار الغربي. كما أنهما يلتقيان في موضوع قتال إسرائيل أو الجهاد، ولهذا من غير المتوقع أن تعارض الجماعة سلاح المقاومة، لكنها ترفضه كسلاح مستثمر في السياسة الداخلية.

ويشير الأيوبي إلى أن التفاهم بين الجماعة وحركة “حماس” يبدو طبيعياً، ولا شكّ في أنّ توجهات الجمهور السني استيقظت في تأييد “حماس” باعتبارها حركة سنية استطاعت توجيه ضربة العصر إلى الكيان الاسرائيلي وهي تسجل صموداً أسطورياً في وجه آلة الحرب الاسرائيلية الهائلة، وعلى الرغم من تسجيل مآخذ على الحركة تتعلق بحجم الخسائر البشرية والعمرانية التي لحقت بأهل غزة، غير أنّ الوجدان السني يندفع نحو تأييد “حماس”، باعتبارها حركة سنيّة حرصت على تمايزها عن إيران في محطات فاصلة للتأكيد على هويتها الفلسطينية والعربية والسنية، مع أن الحلف يجمعها بطهران.

ويلفت الأيوبي إلى أن الرأي العام السني يؤيّد “حماس” في مواجهتها للاحتلال الاسرائيلي على أرض فلسطين، لكنه يتحفّظ ويرفض استخدام جبهة الجنوب لأنّها غير مجدية فلسطينياً وترسّخ هيمنة “الحزب” على الدولة في قرار السلم والحرب.

ويميّز الأيوبي بين “الجماعة الاسلامية” من جهة وشاكر البرجاوي وماهر حمود من جهة أخرى، فالأخيران ليسا سوى واجهات بائسة يحرّكها “الحزب” لاختراق الساحة السنية أمنياً ومعنوياً، لكنّها محاولات فاشلة بدليل انعدام شعبيتهما وفقدانهما الاحترام في الشارع السني.

عموماً، تعلّم أهل السنّة في لبنان الكثير من تجربة الحرب اللبنانية، وهم لا يعطوا الأولوية سوى للمصلحة اللبنانية، ويوضح الأيوبي أن موقف السُنّة في لبنان كان وسيبقى مع مشروع الدولة وحتى “الجماعة الاسلامية” تؤكد أنّها تتحرّك تحت سقف مشروعيّة المقاومة وأنها مع استراتيجية دفاعية وطنية ومع توحيد السلاح الشرعي بيد الجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية.

بالتأكيد لا إجماع لبنانياً حول ما يفعله “الحزب” في الجنوب حتى اليوم، مهما سعى إلى أن يوحي العكس عبر بعض المتحمّسين من الطوائف اللبنانية الذين أقنعهم بالمال والسلاح للإنخراط في سرايا المقاومة. ويختم الأيوبي بأن “الحزب” لم يحقّق أهدافه في هذا المجال، إلا أنه يضمن من خلال تحريك جبهة الجنوب البقاء على قائمة التفاوض الاقليمية بانتظار نتائج المخاض العسكري الاستراتيجي والسياسي الذي تشهده المنطقة.

المصدر لبنان الكبير