من المزة إلى البازورية.. هل تستدرج إسرائيل خصومها إلى الحرب؟!

23 يناير 2024
من المزة إلى البازورية.. هل تستدرج إسرائيل خصومها إلى الحرب؟!


على أهميتهما، قد لا يكون هجوما المزة في سوريا، والبازورية في صور، “الأخطر على الإطلاق” منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وما خلّفته من “اشتعال” على مستوى المنطقة برمّتها، بل الإقليم بأسره، من جنوب لبنان، مرورًا بالعراق وسوريا، وصولاً إلى اليمن والبحر الأحمر، ولو أنّ الضربة جاءت هذه المرّة “قاسية” على إيران مباشرة، مع سقوط خمسة من عناصر الحرس الثوري الإيراني دفعة واحدة.

Advertisement

 
لكنّ هجومي المزة والبازورية يأتيان في سياق واحد “متناغم” مع سلسلة عمليات استهداف واغتيال انتهجتها إسرائيل منذ أسابيع بين لبنان وسوريا، كسرت معها الكثير من الخطوط الحمر ولعلّ أخطرها كانت الضربة التي استهدفت “عمق” الضاحية الجنوبية لبيروت، ولو أنّ الهدف الأساسيّ كان يومها فلسطينيًا، وهو نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، ربطًا بالحرب على غزة دون غيرها.
 
لكنّ الضربتين الجديدتين أعادتا فتح باب التكهّنات على مصراعيها، فما الذي تريده إسرائيل فعليًا؟ أيّ رسائل توجّهه لـ”خصومها”، إن جاز التعبير، من خلال هذه الضربات المتكرّرة؟ ألا تُعَدّ هذه الاغتيالات المتسلسلة، معطوفة على الانتهاكات شبه اليومية، خصوصًا في لبنان، بمثابة “استدراج” للمحور المحسوب على إيران إلى الحرب؟ وهل وصلت إسرائيل إلى مرحلة تكاد معها ترفع شعار “وحدة الساحات”؟!
 
ماذا تريد إسرائيل؟ 
قد لا يكون الاستنتاج بأنّ إسرائيل “تريد” الحرب الإقليمية الشاملة، “تحصيلاً حاصلاً” كما يعتقد كثير من المراقبين، ولو أنّ الضربات المتكرّرة والمؤلمة إلى حدّ بعيد، ترقى في نظر البعض لمستوى “إعلان الحرب”، إذ ثمّة من لا يزال يعتقد بأنّ إسرائيل لا تسعى عمليًا سوى لتوجيه رسائل من النوع “الرادع” إن جاز التعبير، لتفادي الحرب وليس لاستدراجها، علمًا أن هؤلاء يضعون هذه الضربات في سياقٍ آخر تمامًا، مرتبط بالإخفاق الكبير على “جبهة غزة”.
 
بهذا المعنى، يرى البعض أنّ لجوء إسرائيل إلى سيناريو الاغتيالات يأتي في مكانٍ ما، في محاولة للتغطية على “الفشل” الذي مُنيت به في غزة، حيث عجز العدوّ على مدى أكثر من مئة يوم من القصف الهمجي عن تحقيق أيّ من الأهداف المُعلَنة لحربه، بل إنّه وبدلاً من القضاء على حركة “حماس” كما كان يرغب، باتت حكومته على وشك الانهيار، وسط خلافات داخلية وخارجية، حتى مع الإدارة الأميركية التي تُصنَّف “داعمته الأولى”.
 
ينطبق ذلك تحديدًا على جريمة اغتيال العاروري قبل أسابيع في الضاحية الجنوبية لبيروت، فبعدما فشل العدو في “اقتناص” أيّ قائد سياسي أو ميداني في غزة، لجأ إلى تسجيل “انتصار وهمي” في منطقة كان يفترض أن تكون “آمنة”، لكنّه يسري أيضًا على سائر الاغتيالات التي نفّذتها ضد “حزب الله” وإيران، في ردّ “ضمنيّ” على إصرار هذا الفريق على توسيع المواجهة، ومنع “استفراد” الجيش الإسرائيلي بقطاع غزة، كما يقولون.
 
الحرب “ليست حتميّة” 
ضمن “الرسائل” التي يمكن قراءتها خلف الضربات الإسرائيلية المتكرّرة المحسوبة على إيران، وفق ما يقول العارفون، رسالة “ردع” إن جاز التعبير، فإسرائيل تريد القول لـ”حزب الله” وإيران، إنّ قادتهم بالمرصاد، وإنّها قادرة على الوصول إليهم في أيّ مكان، وإن بدت هذه الرسالة “مقترنة” بأخرى، مفادها أنّ العمليات التي يقوم بها هذا المحور، من لبنان إلى اليمن، “تؤثر عمليًا” على إسرائيل، بل “تشوّش” عليها في مكانٍ ما.
 
يوحي ما تقدّم أنّ الحرب الشاملة “ليست حتميّة”، ولو أوحت الضربات الإسرائيلية المتكرّرة أنّها بدأت بشكل أو بآخر، علمًا أنّ المحسوبين على محور المقاومة، يقولون إنّ إسرائيل لا تريد الحرب، بل إنّها تخشاها لأنّها تدرك أنّ حرب غزة، مع كل الفشل الذي مُنيت فيه خلالها، ستكون بمثابة “نزهة” بالمقارنة مع ما ينتظرها في لبنان مثلاً، علمًا أنّ رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد قال صراحة قبل أيام إنّ إسرائيل “غير جاهزة للحرب”.
 
لكنّ هذه الفرضية تبقى “فرضية”، وفق ما يقول العارفون، إذ إنّ “السخونة” التي تشهدها المنطقة تبقي كل الاحتمالات مفتوحة والسيناريوهات قائمة، فإذا كان صحيحًا أنّ لا إسرائيل ولا إيران تريدان الحرب بأتمّ معنى الكلمة، فإنّ الصحيح أيضًا أنّ أحدًا لا يستطيع التكهّن بإمكانية الانزلاق إليها في أي لحظة إذا ما بقيت وتيرة “الاستفزازات” على حالها، ولو أنّ الطرفين سيحرصان على “تقاذف” كرة المسؤولية عن بدء هذه الحرب، إذا ما حان وقتها.
 
باختصار، يعكس هجوما المزة والبازورية “الالتهاب” الحاصل في المنطقة بأسرها، فالحرب على غزة لا تلوح نهايتها في الأفق، رغم مرور أكثر من مئة يوم عليها، من دون أن يتحقّق شيء من أهدافها، والحرب الموازية في جنوب لبنان مستمرّة طالما حرب غزة لم تنتهِ، والواقع في اليمن لا يبدو أفضل، مع الضربات الغربية على صنعاء، ليبقى السؤال: هل لا تزال الحرب فعلاً بعيدة، أم أنها تنتظر فقط من “يتجرّأ” على إطلاق رصاصتها الأولى؟!