لا تزال المعارك الحاصلة في جنوب لبنان تدور تحت سقف قواعد الاشتباك التي أُرسيَت بعد السابع من تشرين الاول الفائت، ولم يتوسّع هذا الاشتباك ليتحوّل إلى معركة شاملة أو تصعيد يهدف إلى توجيه ضربات مؤلمة وكاسرة للتوازن من كلا الطرفين.
لكنّ هذا الأمر لا يعني أنّ مؤشرات التصعيد لم تبدأ بالظهور، بل على العكس من ذلك، إذ إنّ هناك معطيات ميدانية واضحة توحي بأن عملية التصعيد قد بدأت بالفعل، حيث أن قوات الاحتلال بادرت الى قصف نقاط تابعة لـ”حزب الله” بعيدة نسبياً عن خطّ المواجهة الأساسي والتقليدي، الامر الذي من شأنه أن يتحوّل إلى دافع للحزب للردّ بالمثل وتوسيع نطاق الهجمات الصاروخية.هذه المؤشرات الميدانية تؤكّد المعطيات السياسية التي توحي بأن تلّ أبيب ليست في وارد القبول بأي تسوية تؤدي الى وقف الحرب على قطاع غزّة. وعليه فإنّ الضغوط التي تتعرّض لها اسرائيل من قبل حلفائها وتحديداً من الولايات المُتّحدة الاميركية قد تنتج هروباً الى الامام من قبل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو.يدرك “حزب الله” أنه لا يستطيع غضّ النظر طويلاً عن الانتهاكات الاسرائيلية وهو، وإن كان يُجيد الردّ من خلال عمليات دقيقة ومتوازية للتصعيد الاسرائيلي، الا أنه يعمل تحت سقف الضربات التي لا تؤدّي الى تدحرج حتى اللحظة. لكنّ هذا الامر قد لا يشكّل رادعاً جدياً للعدوّ في المرحلة المقبلة، وعليه قد يخاطر “الحزب” أمام انعدام الخيارات لديه في توسيع عملياته ضد اسرائيل، وهذا الأمر ربّما سيردع العدوّ ويدفعه الى وقف الحرب على قطاع غزّة ووقف المعارك على الجبهة الجنوبية للبنان. يعلم “الحزب” متى يستغلّ الفرصة في تصعيده، سيّما أن اسرائيل اليوم باتت أضعف وأقلّ قدرة على شنّ حرب شاملة، وأن القرارات “الهوجاء” التي قد يتّخذها نتنياهو، وإن كانت واردة، ستؤدّي إلى خسارة مدوية لاسرائيل تدفع بجميع الدول الداعمة الى التراجع نحو خطّ وقف إطلاق النار، وأن المطروح قد لا يكون حرباً شاملة مستمرة إنما معركة كبرى قصيرة المدى تتدخل بعدها الدول من أجل إنهائها.