من الواضح أن العين على الواقع السياسي في لبنان تتركّز من قِبل الولايات المتّحدة الاميركية وفرنسا وقطر، ما بات يوحي بأن واشنطن ترغب بقطع شوط كبير من المفاوضات حول الملف اللبناني، إذ إنّ كلا من فرنسا وقطر تعملان بشكلٍ واضح وفق الاستراتيجيات الاميركية علماً أنّ باريس تتمايز على مستوى التكتيك على الساحة اللبنانية.
لكن لماذا تريد واشنطن الذهاب إلى تسوية داخلية سريعة قبل انتهاء المعركة العسكرية على قطاع غزّة والمشتعلة إسناداً على الجبهة الجنوبية للبنان؟من الواضح أنّ الحراك الأميركي المباشر لا يستهدف الأزمة السياسية والدستورية في لبنان، إنما تركّز واشنطن عبر وسيطها آموس هوكشتاين على القضايا المرتبطة بالحرب وبملفّ ترسيم الحدود وتطبيق القرار 1701، وكلّ هذه الملفّات تناقَش من قبل الجانب الاميركي مع الحكومة اللبنانية التي يرأسُها نجيب ميقاتي ومع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وذلك بهدف التواصل غير المباشر مع “حزب الله”، لكن هذا الأمر لا يعني ابتعاد واشنطن عن الملفات الداخلية.يركّز اليوم الحراك القطري المستمرّ والحراك الفرنسي المتقطّع على إرساء معادلات وطرح مبادرات مرتبطة بالواقع الداخلي عموماً وبالملف الرئاسي على وجه التحديد، وهذا الحراك سيجري تفعيله بشكل ملحوظ خلال الأسابيع القليلة المُقبلة، إذ إن الاميركيين يرغبون بوضع قواعد ثابتة للتسوية الداخلية قبل انتهاء الحرب تجنّباً للوقوع تحت وطأة ما أسمته مصادر مطّلعة “ابتزاز حزب الله” داخلياً مقابل تنازلات على المستوى الحدودي.من الواضح أن واشنطن تفضّل اليوم تحديد خطوطها العريضة للجميع قبل أن تضطر للدخول في كباش مع “حزب الله” يؤدّي إمّا إلى حلقة شدّ حبال طويلة المدى أو الى مقايضة سيكون للحزب اليد العليا فيها، وذلك لأسباب مرتبطة باستنزاف اسرائيل وتراجع قوّتها الذي قد يدفع الى رغبتها بوقف اطلاق النار، وبالتالي ستصبح امتيازات “الحزب” ونفوذه بعد الحرب أضعاف ما هو عليه اليوم في حال لم يتمّ إبرام تسوية سريعة ملائمة لواشنطن.وقد شهد منتصف ليل أمس تصعيداً كبيراً على الجبهة الجنوبية للبنان من قِبل “حزب الله”، واعتبرت مصادر عسكرية مطّلعة بأنها الليلة الأشدّ منذ الثامن من تشرين الأول الفائت على مستوى تبادل القصف والرشقات الصاروخية، ما يؤشر الى تصاعد حدة الاشتباكات بين المقاومة وقوات العدو. ولفتت المصادر إلى أن “حزب الله” كشف الليلة الفائتة عن انواع صواريخ جديدة لم يستخدمها سابقا، في اشارة الى ما ينتظر العدو في اي مواجهة مقبلة. وأضافت المصادر أن لا شيء يؤكّد توسيع نطاق الاشتباك، مشيرة إلى أن كل ما يجري الحديث عنه مجرّد تحليلات غير مبنية على معطيات.