عقارب ساعة جلسة الهيئة العامة لمجلس النواب المخصصة لدراسة لدرس وإقرار مشروع الموازنة العامة عن العام 2024 بالصيغة التي أرسلتها لجنة المال بعد التعديلات التي أضافتها على مشروع الحكومة، عادت بالمتابعين إلى سنوات خلت. فالجلسة بدأت كالعادة بتلاوة مواد الدستور والنظام الداخلي المخصصة لمناقشة مشروع الموازنة، لتنتقل سريعا إلى ساحة حرب كلامية بين نواب حركة أمل والنواب التغيريين، لا سيما بين النواب ملحم خلف وفراس حمدان وبولا يعقوبيان من جهة والنائبين علي حسن خليل وقبلان قبلان من جهة أخرى .
لم تخل الجلسة من”الاستفزاز”، وبينما حاول عدد من النواب توجيه الاتهامات لرئيس لجنة المال في ما خص مسألة قطع الحساب، كان البعض الآخر يلعب على وتر الخلاف بين رئيس لجنة المال ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، فالنائب جميل السيد الذي وصف كلمة الأول بأنها أشبه بخطاب قسم، تراءى لعدد من النواب أنه يستفز باسيل الذي يرفض رفضاً قاطعاً ترشيح أي نائب من “تكتل لبنان القوي” للرئاسة.
وليس بعيداً لم تحمل كلمة نائب البترون جديداً في جلسة مناقشة الموازنة، فهي اقتصرت على توجيه الاتهامات إلى الحكومة والمجلس النيابي معاً في حين أنه أرسل رسائل عتب تحمل بعض الايجابية إلى حزب الله لجهة ضرورة التفاهم على اسم إصلاحي وجامع وملتزم بالدفاع عن لبنان بوجه إسرائيل. وقال متوجها إلى المقاومة بالقول: “السلاح بيحمي بس ما بيعمر لوحده. بدنا دفاع لكن بدنا دولة فيها حياة كريمة”.وليس بعيداُ عن مناكفات أعضاء “تكتل لبنان القوي” مع باسيل، فإن نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب الذي وجه الكثير من الرسائل الايجابية إلى كنعان محاولاً إظهار التناغم بينهما أكثر من مرة، أبدى خشيته “أن يأتي العام المقبل ونناقش فيه الموازنة في ظل غياب رئيس للجمهورية”. فردَّ برّي بالقول “ان شاء الله لا.. وان شاء الله في أسرع وقت (انتخاب الرئيس).ورغم ما تقدم، فإن أبرز ما قيل في جلسة يوم أمس، تمثل في اعتراض مقرر لجنة المال النائب علي فياض على تفسير المادتين 81 و82 من الدستور اللتين وردتا في تقرير لجنة المال والموازنة من ناحية تفسير عدم جواز ايراد تعديل ضرائب أو إضافتها في اي موازنة عامة، مشيراً إلى تعسف في فهم النص الدستوري ،لأن ما نصت عليه المادة 81 حول عدم جواز احداث ضريبة الا بموجب قانون شامل تطبق احكامه على كل الاراضي اللبنانية دون استثناء، فالشمول هنا لا يعني على الاطلاق ربط استحداث ضريبة في اطار قانون ضرائبي شامل منفصل عن الموازنة، لأن الشمولية بحسب هذه المادة هي شمولية حاكمة على كل الجغرافيا اللبنانية دون اجتزاء او استنساب، معترضاً على التوسع والمبالغة في مفهوم “فرسان الموازنة” الذي يعطل قدرة الموازنة على التحول إلى أداة تخطيط واستشراف ومميزا بين سنوية التنفيذ المالي للتشريع من ناحية والاثر التشريعي الذي يمكن ان يتجاوز سنوية الموازنة من ناحية أخرى. وقد استوقف موقف فياض عددا من النواب بوصفه مقررا يعترض على مضمون تقرير لجنة المال الذي من المفترض أن يكون قد اطلع عليه مسبقا فضلا عن الحاجة إلى توقيعه التقرير.وبرزت أمس أيضا كلمة النائب ميشال ضاهر التي تضمنت افكارا عملية عديدة ابرزها دعوته إلى ضرورة رفع الموازنة من 3 مليار دولار إلى 6 مليار دولار، مع ايلاء اهتمام خاص برواتب القطاع العام. اما النائب نعمة افرام فقدم بدوره مطالعة تضمنت افكارا عملية كثيرة ابرزها دعوته إلى فرض ضرائب على مولدات الاحياء لتزويد المواطنين بالكهرباء مقدرا بان هؤلاء يجبون ما يفوق 6 مليار دولار سنويا وان اخضاعهم لـ tva من شأنه ان يشكل موردا كبيرا لتعزيز الموازنة. واقترح فرض دولارا واحدا على كل صفيحة بنزين الامر الذي يوفر ايرادا يتجاوز 120 مليون دولار داعيا تخصيص هذا المبلع لصيانة الطرقات في لبنان.اما النائب سجيع عطية فقد استرسل في ايراد شواهد عديدة في ضرورة ان تمارس الدولة هيبتها في معالجة الكثير من المشاكل التي لا تحتاج إلى امكانات مالية، وحاول تقديم اداء ظريف أشبه بالذي كان يقدمه النائب سليم سعاده لكنه لم ينجح بحسب عدد من النواب.اما النائب وائل ابو فاعور فقد استهل كلمته بالتحية إلى فلسطين والجنوب ومن ثم استغرب ان تسقط لجنة المال اهم مادتين وردتا في مشروع الحكومة حيث تدعو الاولى إلى فرض ضريبة على من استفادوا من الدعم الحكومي فالتقديرات تشير إلى انفاق ما يقارب7 مليار دولار والثانية ضريبة على استفادوا من فرق سعر الصرف على منصة صيرفة واعتبر ان من استفاد من هاتين المادتين هم التجار الذين يشكلون “لوبي” ضاغطا ربما يكون ادى دورا في اسقاط هاتين المادتين.الأكيد أن نواب الأمة “القدامى” والجدد، لبس العدد الاكبر منهم، أمس، لبوس الانسانية والاصلاح، فكل تكتل أراد تفريغ صراعاته وحساباته السياسية تحت قبة البرلمان، فالجلسة نقلت مباشرة على الهواء، ولا بد من استغلال الظرف لاستعراض العضلات السياسية، وكأن البلد لا يزال يتحمل هزات سياسية ولا تكفيه الهزات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. لكن الأهم أن ثمة شكوكا كبيرة في سجالات بعض النواب لا سيما أنها تهدف إلى زيادة الشعبوية الطائفية لا أكثر أو أقل لا سيما بين “لبنان القوي” و”الجمهورية القوية”. فباسيل تحول الى ساحر عند النائبة غادة ايوب التي توجهت اليه من دون ان تسميه بالقول” انقلب السحر على الساحر، من عطل كثيرا جاءنا اليوم يشكو من التعطيل، وكنت أتمنى على من ساهم بضرب الدستور أن لا يحدثنا عن اقتراح قانون لتقديم موازنة باقتراح قانون. أكبر ضربة في تاريخ الجمهورية هي هذه الضربة للدستور اللبناني.”