كتب ابراهيم حيدر في” النهار”: يبدو أن استمرار فتح جبهة الجنوب على نسق العمليات اليومية قد استنفد وظيفته، ووفق المصدر الديبلوماسي تحولت المعركة الى حالة استنزاف تعصف بلبنان أيضاً وتزيد من انقساماته لا بل أنها تؤدي إلى اصطفافات طائفية جديدة، تذكر بمرحلة سابقة، من اتهامات العمالة والانعزال. لكن الأخطر ان عدم الانفتاح على التفاوض أو أقله الاستفادة من عمليات المساندة بالتفاوض، يؤدي إلى انفصال فئات لبنانية عدة ووضعها في مواجهة مع “حزب الله”. ولا شك في أن الحملات على مواقف البطريرك بشارة الراعي وعدد من مسؤولي الاحزاب المسيحيين تندرج في هذا الإطار.
يشير المصدر الديبلوماسي تعليقاً على الوضع الداخلي وتحرك الخماسية وتحذيرات الدول من حرب إسرائيلية ووساطة هوكشتاين بين لبنان وإسرائيل، إلى أن استمرار جبهة الجنوب على ما هي عليه يرتب أخطاراً كبرى على لبنان، ليس من خلفية رفض مساندة غزة، انما من محاولات استثمار جهات إقليمية جبهة لبنان ضمن وحدة الساحات لمصالح دولها. يذكر بأن الحرب على غزة في شهرها الرابع، ولم يعد ممكناً الرهان على احداث تحولات دولية لصالح الفلسطينيين، باستثناء دعوات المساعدة الإنسانية، فيما العجز العربي بلغ ذروته، ولا مؤشرات ضغط لفرض وقف اطلاق النار. المعنى من ذلك أن الآلة التدميرية الإسرائيلية فعلت فعلها في غزة في ظل اختلال موازين القوى، وإن لم تتمكن إسرائيل من السيطرة التامة. الواقع يشير إلى أن الأمر الدولي مفتوح لإسرائيل حتى تحقيق أهدافها، حتى لو بقيت “حماس” قادرة على المقاومة.
أما على جبهة جنوب لبنان، فلم يعد للعمليات الحالية تأثير كبير في مساندة غزة وهو ما يستوجب تغيير الاستراتيجية التي يعتمدها “حزب الله”. فالضغط في المرحلة الاولى أدى وظيفة محددة، لكن مراجعته اليوم باتت ضرورية عبر قراءة الجدوى وحدود تأثيره، وقياس الخسائر والأرباح، إلا إذا كان “حزب الله” مصراً على اعتبار معركته تتم باسم كل اللبنانيين، ويرى ضرورة لذلك ويعتبر أن ما أنجز يعتبر انتصاراً لمحور المقاومة، وللمرجعية الإيرانية التي تدعم وحدة الجبهات، وحساباته تتخطى حدودها اللبنانية.
اليوم بات لبنان كله في خطر، يقول المصدر الديبلوماسي إن الصورة تدل، بمعزل عن الاحتمالات المستقبلية المرتبطة بالحرب في الجنوب، أن الدولة كلها باتت تسلّم لـ”حزب الله” في خياراته وبقراراته في الحرب والسلم، وحتى تحديد مصير البلد ووجهته، طالما أنه فرض نفسه مفاوضاً مع الخارج في كل الملفات، الحدود والرئاسة والحكومة. وعلى هذا باتت الكرة في ملعب الحزب الذي يقدم خطابه أنه حامي لبنان والمساند لغزة وخط الدفاع عن وحدة الجبهات التي تقودها إيران، في الوقت الذي تروج فيه إسرائيل أنها تخوض حربها ضده وهي تستهدف لبنان، وتحشد كل التأييد الدولي لحربها التدميرية المحتملة. فهل يغيّر الحزب استراتيجيته حماية للبنان؟ سؤال بات على الألسنة في ما يتعلق بالقرارات المصيرية ومستقبل البلد.