فوضى عارمة لا مثيل لها، تجتاح قطاع النقل في شوارع بيروت…تكسي، سيارات، فانات، وتسعيرات تختلف من سائق إلى آخر، حسب نوع السيارة، وحسب المنطقة التي يصعد منها الزبون.. هذا هو حال القطاع، فوضى يتحملها اللبناني،إذ لا قرار رسميًا يُجبر هؤلاء على الالتزام بتسعيرةٍ معينةٍ يتمُّ اعتمادها، نسبةً إلى عوامل عدّة.
Advertisement
لا يوعز السّائقون أمرَ هذه الفوضى إلى قراراتِهم، إذ إن ما يقومون به هو بسبب التفلت الواسع الذي يشهده القطاع، بدءًا من السيارات غير الشّرعية التّي غزت شوارع العاصمة، وصولاً إلى عصابات منظّمة تقوم بتسيير طلبات المواطنين عبر تطبيقات أجنبية، تمكنوا من نشرها عبر وسائل التواصل الإجتماعي، إلى أن أصبحت وسيلة، تسلَلَ عبرها لبنانيون وأجانب شكّلوا حالة شواذٍ على هذه المهنة.
نفتقدُ للقانونأوّل أزمة يواجهها ” قطاع النقل الشّرعيّ” في لبنان تتمثل بالقطاع الموازي “غير الشّرعيّ”، والذي يعجُّ بعمالٍ لبنانيين وأجانب، قرّروا أن يجعلوا من هذا القطاع عملاً إضافيًّا لهم، إذ يدورون بشوارع العاصمة بعد الانتهاء من وظائفهم لساعات متأخرة من اللّيل.
وحسب أرقام حصل عليها “لبنان 24″، فإنَّ في لبنان حوالي 35 ألف سيارة عمومية شرعية، بالإضافة إلى 4000 فان قانوني و2500 “أوتوبيس”، أي بمجموع يبلغ ما يقارب 40 ألف سيارة عمومية شرعيّة، يُقابلها ما يزيد عن 85 ألف سيارة تعمل من دون أي ترخيص، أو يديرها شخص أجنبي، بغض النظر عن جنسيته. علمًا بأنَّ القانون اللّبناني يمنعُ منعًا باتًا أيّ شخص لا يحمل الجنسية اللبنانية من العمل في هذا القطاع.
أزمة التعرفة”لبنان 24” تواصل مع رئيس إتحادات ونقابات قطاع النقل البري في لبنان بسام طليس، الذي أوضح بأن الإتحاد لا سلطة، ولا قدرة له أصلاً على ملاحقة المخالفين أو منعهم من العمل، إذ إنّ هذه المهمة تقعُ على عاتقِ الجهاتِ الأمنيّة المختصة، علمًا بأنّ أعداد المخالفين قد تصل إلى ضعفي أعداد السّيارات اللّبنانيّة التي تعملُ بشكلٍ شرعيّ.
يشرحُ طليس الأزمة، وحالة الإنعدام التي أصابت القطاع. فمن ناحية أولى، لا تسعيرة موحدة يشهدها القطاع، إذ إنّ كل سائق يسعّر ما يراه مناسبًا، خاصةً وسط المنافسة غير الشّرعيّة التي يشهدها القطاع، وهذا ما يبرّر وجود أكثر من تعرفة في المنطقة الواحدة، إذ يؤكّد طليس أن التواصل مع وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية قد جرى لأكثر من مرة، إلا أن وضع الدولار، والمحروقات، يشكّل عائقًا أمام اعتماد تسعيرة موحدة لكل المناطق، تسمح للمواطن أن يحتج، وأن يعلم من يسعّر بطريقة شرعية ومن لا.
وما يبرهن تشعّب مسألة التعرفة، حسب طليس يكمن بالموجبات الملقاة على السائق الشرعي، الذي يدفع للضمان الإجتماعي، ويلتزم بأداء كافة الضرائب والرسوم، وهذا ما يضعه بمركزٍ غير متساوٍ مع السائق غير الشرعي، الذي يعمل من دون نُمرٍ، أو أوراق قانونية، وما يعني توازيًا عدم تكبيده عناء الإشتراك بالضمان، أو دفع الضّرائب والرسوم.
“تطبيقات” العصابات المنظمةأبو جوزيف، وهو سائق لبناني منذ أكثر من 30 عامًا، يوضح لـ”لبنان 24″ كيف انقلب حال القطاع، بعدما كان مصدر رزقٍ لأكثر من 40 ألف سائق، إذ يؤكّد بأن القطاع “كفّى ووفّى” لناحية تأمين معيشة كريمة ولائقة للسائق، قبل حالة الفلتان هذه.
ما يثير ريبة أبو جوزيف، وهذا ما يشاطره به زملاؤه، يكمن بعملية الغزو الأجنبيّ للقطاع، التي تشبه العصابات المنظمة، حيث تمكّن السّوريون وغيرهم من الأجانب، من الدخول إلى هذا القطاع بطريقةٍ غير شرعيّة، وذلك عن طريق التّطبيقات، التي انتشرت بشكل كبير بين اللّبنانيين.
فهذه التّطبيقات تسمحُ للشخصِ عند الدخول إليها أن يختارَ سائقًا من السّائقين الذين يعرضون خدماتهم، ويتفق معه على السّعر، ومن أين سينطلق وإلى أين سيصل.. يرى البعض فيها خطوةً آمنةً لناحيةِ أنّك يمكنك أن تُراقب السّيارة من أين ستأتي، كما وتتعرف على هوية الشّخص الكاملة الذي سيقلّك، إلا أنَّ هذه التّطبيقات فتحت الباب لأيّ كان أن يستغلها، من خلال عرض الخدمات، بغض النظر عن ما إذا هو سائق عموميّ أو لا، أو إذا كانت السّيارة التي يملكها مسجّلة أم لا.. فهمُّ المواطن فقط هو إيجادُ طلبه، والسّعر الذي يبحثُ عنه.
هذه التّطبيقات من زاويةٍ أُخرى قضت بشكل كليّ على مكاتب التاكسي في لبنان، إذ اضمحل دورها ولم يعد لها وجود إلا بنسبة بسيطة لا تُذكر.. فهل من الممكن مجابهة هذه الشركات التي تُدير التطبيقات عن طريق القانون أو تقنيًا؟
مصدرٌ قانونيّ مُتابع لقضية هذه التّطبيقات، يؤكّد لـ”لبنان 24″ أنّه ولأكثر من مرة، جرت محاولة مجابهة هذه التطبيقات عن طريق القضاء، علمًا بأنّ الهدف ليس إغلاقها، إنما هذه التطبيقات هي ضرورية ومحبّذة وسط ما نعيشه من ثورة تكنولوجية هائلة، وهذا ما أكّد عليه رئيس إتحادات ونقابات قطاع النقل البري في لبنان بسام طليس، الذي أشار لـ”لبنان 24″ الى أن المطلوب هو التنظيم ليس أكثر، إلا أن المصدر أكّد أنّه وفقا للقرار 1/786، فإن هذه التطبيقات لا تُعتبر شركات نقل أو تعمل بالنقل العام، إنّما هي صلة وصل بين الراكب والسائق. إلا أن المصدر يؤكّد على أن هذا الأمر لا ينفي قطعًا وجوب حصول السّائق على رخصة قانونية تسمحُ له ممارسة هذا العمل، إذ إنّ الشركة أو التّطبيق يعدُّ بهذه الحالة مساهمًا بمخالفة القانون لناحية تقديم العون للسائق المُخالف؛ بمعنى آخر فإن التطبيق هنا يعدّ وكأنه يتعامل مع سائق غير شرعي، وهذا ما يستلزم من القائمين عليه أن يسمحوا فقط للسائقين الشرعيين بعرض خدماتهم للعامة.
بالتوازي يؤكّد الخبير بأمور التكنولوجيا علي زين الدين لـ”لبنان24″ أن إغلاق هذه التطبيقات من قبل الوزارات المعنية لا يمنع المواطن من تشغيل (في بي أن) على هاتفه، وهذا ما يسمح له بالرغم من إغلاق التطبيقات من إعادة تشغيلها.
نقل سريع موت أسرع
وبمعرض حديثه لـ”لبنان 24″عن أزمة القطاع سلّط طليس الضوء على ظاهرة التوك توك والدراجات النارية التي تستفيد بشكل كبير من هذه التطبيقات. فبكبسة زرّ، يحاول اللبنانيون استغلال عروض أصحاب هذه الآليات، إذ يعمدون إلى طلبها طمعًا بتخطي أزمة “زحمة السير” التي تفتك بالطرقات اللبنانية خاصةً في أوقات الذروة، بالإضافة إلى الاسعار المنخفضة، إلا أن أرقام الحوادث الناتجة عنها تستدعي إعادة التفكير باستخدام هذه الوسائل.
ومن هنا يشدّد طليس على أن القانون واضح بهذا المجال إذ يمنع منعًا باتًا استخدام هذه الآليات، حيث تم حصر الأمر فقط وفقًا للمادة 122 من قانون السير بالسيارات التي لها أربعة أبواب، إثنان من كل جانب، وأن تُكتب أرقام لوحة التسجيل وإسم صاحب السيارة وعنوانه باللغتين العربية والفرنسية على لوحتين صغيرتين، توضع إحداهما بشكل واضح على ظهر المقعد الأمامي، والثانية أمام الراكب في المقعد الأمامي، على أن يثبت إلى جابها صورة تعريفية، مع وجود لوحة على سطح المركبة مكتوب عليها “أجرة” تُضاء عند خلوها من الركاب.