على وقع حراك “الخماسية” المتجدّد على خط الرئاسة اللبنانية وانتخاباتها “المجمّدة” منذ ما قبل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عاد الملف إلى صدارة الاهتمامات في الأيام القليلة الماضية، ليتبيّن أنّ الاستقطاب لا يزال على حاله، وأنّ كلّ فريق لا يزال متمسّكًا بمواقفه، بين معسكر يصرّ على أنّ الحوار “معبر إلزامي” للتفاهم على انتخاب رئيس، ومعسكر مضاد يتمسّك بالجلسات المفتوحة والمتتالية التي لا تنتهي سوى بانتخاب رئيس.
وإذا كان رئيس مجلس النواب نبيه بري سارع لحسم “الجدل” من خلال تصريحات صحافية أكّد فيها أنّ “لا جلسات متتالية من دون تشاور أو حوار”، موضحًا أنّه لا يستطيع منع أيّ فريق من مقاطعة أيّ جلسة باعتبار ذلك “حقًا دستوريًا”، وأنّ النصاب لا يمكن أن يتأمّن إلا بالتوافقات، فإنّه ذكّر في الوقت نفسه بمبادرته الحوارية الشهيرة، حين طرح الحوار لمدّة أقصاها سبعة أيام، داعيًا الفريق الآخر إلى “إحراجه”، إذا ما افترضوا أنّه يخدعهم.
لكن، بمعزل عن كلام بري، ثمّة من يسال عن “حقيقة” موقف قوى المعارضة، التي تدعو إلى جلسات مفتوحة ومتتالية، وفي صفوفها من يؤكد أنّ “التقاطع” الذي تمّ في مرحلة ما على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور في مقابل رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية أصبح “في خبر كان”، فهل لا يزال أزعور فعلاً مرشح المعارضة في وجه فرنجية؟ وما حقيقة المعلومات التي تتحدّث عن انسحاب الرجل من السباق الرئاسي، ولو بقي غير مُعلَن؟!
“المرشح المُعلَن”
تتفاوت وجهات النظر داخل فريق المعارضة حول “تصنيف” الوزير السابق جهاد أزعور، ففي صفوفها من يؤكد أنّ ترشيحه استنفد، وأنّه انتهى ربما مع الجلسة “اليتيمة” التي طرح فيها اسمه، في مقابل من يجزم أنّ أزعور لا يزال “مرشحًا جديًا”، بإجماع كلّ من تقاطعوا عليه، ولو زادت حدّة الخلافات بينهم، ليبقى الأمر الثابت أنّ أزعور هو “المرشح الرسمي المُعلَن” لهذا الفريق، لكنه ليس بالضرورة “المرشح المُضمَر”، إن جاز التعبير.
ومع أنّ هناك من سارع لنعي “التقاطع” على أزعور في المرحلة الأخيرة، على وقع “شبه القطيعة” بين بعض أطرافه، ولا سيما بين “التيار الوطني الحر” وسائر قوى المعارضة، وفي مقدّمها “القوات اللبنانية”، خصوصًا بعد التمديد لقائد الجيش، فإنّ أوساط المعارضة تعتبر أنّ “التقاطع” لم يكن “تحالفًا” من الأساس، حتى يتأثّر باستحقاقٍ من هنا أو هناك، بل إنّ الهدف منه كان في الأساس “رفض” ترشيح سليمان فرنجية، وهنا بيت القصيد.
أكثر من ذلك، لا تعير هذه الأوساط اهتمامًا كبيرًا لما أثير في الآونة الأخيرة عن أنّ أزعور أبلغ المقرّبين منه بخروجه من السباق الرئاسي، لاعتقادها بأنّه إذا ما توافرت الفرصة الفعلية للوزير السابق للوصول إلى بعبدا، فهو لن يرفض الأمر، علمًا أنّه لم يكن من أعلن ترشيحه في الأساس، وإن “تلقّف” التقاطع على شخصه في مرحلة من المراحل، قبل أن ينكفئ من جديد نتيجة التزاماته المهنية والوظيفية المعروفة للقاصي والداني.
“المرشح الحقيقي”
بعيدًا عن الكلام الرسمي لأوساط المعارضة، ثمّة أصوات بدأت ترتفع داخل هذا الفريق، تؤكد أنّ الوزير السابق جهاد أزعور ليس “مرشحًا جديًا”، وأنّ التمسّك بترشيحه في العَلَن لا يعني وجود اتجاه حقيقيّ لانتخابه، حتى لو أنّ النسبة التي حصدها في الجلسة السابقة كانت مشجّعة، إلا أنّها نسبة لم يكن ليحصل عليها لو لم يكن الكثير من ناخبيه يدركون سلفًا أنّ التصويت له “رمزي”، ولا يتوخّى إيصاله فعلاً إلى قصر بعبدا.
لكنّ المجاهرين بعدم “جدّية” ترشيح أزعور، وباستنفاد الأخير للأهداف التي وُضِعت عند التقاطع على اسمه، لا يجاهرون في المقابل باسم “المرشح الحقيقي والمضمر” للرئاسة بالنسبة لقوى المعارضة، ولو أن ثمّة العديد من الأسماء المتداولة في الأروقة السياسية، يتقدّمها اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي يُعتقَد على نطاق واسع أنّ المعارضة “تخوض معركته”، وفق قاعدة “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان”.
وبغضّ النظر عن حقيقة ما يتمّ تداوله في هذا الإطار، يقول المعارضون لترشيح فرنجية إنّ الكرة عمليًا في ملعب الداعمين للأخير، فالمعارضة قدّمت أكثر من مرشح على طريق التنازلات، من ميشال معوض إلى جهاد أزعور، وهو ما خدم الفريق الآخر الذي حاول القول إنّ مرشحه هو “الثابت”، فيما الآخرون “متغيّرون”، ولذلك فإنّ أيّ اسم غير أزعور لن يُطرَح قبل أن يعلن الفريق الآخر رسميًا تخلّيه عن فرنجية، وهو أول الغيث.
هكذا تبدو الصورة ثابتة على وضوحها وضبابيّتها: جهاد أزعور يبقى “المرشح المُعلَن” لقوى المعارضة، حتى إشعار آخر، من دون أن يكون عمليًا “مرشحها الحقيقي”. ثمّة من يقول إنّ هذه المعادلة ليست “مستجدّة”، بل إنّ القاصي والداني يدرك أنّها “سارية” منذ اليوم الأول لطرح اسم الرجل. إلا أنّ التسليم بهذا الأمر قد يطرح علامات استفهام حول موافقة البعض على التحوّل إلى “وقود” معارك الآخرين، بشكل أو بآخر!