هنأ المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان المسلمين عموما واللبنانيين خصوصا بذكرى المبعث النبوي الشريف، وألقى رسالة بالمناسبة من على منبر مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة.وقال: “قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، قال الله تعالى ذلك وعين السماء على أكبر وأعظم رسالة نبوية على الإطلاق، بحيث أن الله تعالى لم يخص نبيا قط بمقام وموطن وملك وملكوت سدرة المنتهى إلا النبي الأعظم محمد(ص)، ومعه قدم الله تعالى الرسالة المحمدية كعنوان لأكبر رحماته على الإطلاق، ودعا البشرية إلى الإقبال على نبيه الأعظم(ص) الذي جمع فيه كل خصال الرسالة، وما يلزم لبيان ذلك على الخليقة وعالم وجودها. ولقد خصه بالقرآن العظيم، بكل ما فيه من عظمة وآيات وتحشيد لقلم التكوين والبينات، ليكون للعالمين آية. وفي معرض رسالته، أكد النبي(ص) على الخليقة أن أوبوا إلى الله، وطوفوا سكك الخلق ومعالم الوجود، وتشبعوا من الملكوت، وتيقظوا، فإنكم على طريق الأبدية، وأنفاسكم مشدودة إليها، وقلوبكم مزروعة بتربتها، ومآلكم ساحة القيامة، وميزانكم أعمالكم، وصراطكم زادكم، وموقفكم من الله حصيلة ما تعملون في دنياكم. ولقد دعا النبي(ص) إلى الخير، وحرض عليه، وحذر من الشر، ومنع منه، وطالب الخليقة أن تقرأ الحق بالحق، وأن تجمع دنياها بآخرتها، وأن تتزود ليوم نزلتها، وطرائق رحلتها. لقد أقر الدنيا على الحق، وجمع الميزان بالحق، وأمن الناس بالحق، فمن تجاوز الحق كان حظه الباطل، والباطل في النار، وكذلك أهله في النار”.أضاف: “الإيمان حق، وتكليف العباد حق، والموت حق، والمعاد حق، ونزلة القبر حق، والصراط حق، ومحشر القيامة حق، وميزان العباد حق، وسؤال الناس حق، والخلود بالجنة أو النار حق، والناس وما اختارت في دنياها، {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}. ومما افترض النبي(ص) بإطار دعوته منذ بعثه الله سبحانه: الطاعة لله، والطاعة لله تبدأ بالنفس والعيال، وتربية الأجيال، وإحقاق الحق بالخليقة، والغني مسؤول عن غناه، كيف ومن أين، وأين هو من حقوق الناس؛ والفقير مطالب بما هو عليه، من نصرة الحق وإبطال الباطل، وتأمين أرضية حقه وعدله؛ وجميع الخلق مطالب بالتأسيس للعدل، وتأمين الذات من واقع أبديتها، والانخراط بساحات الجهاد الثقافي والتربوي أولا، ثم الاجتماعي والسياسي، لأن من يخسر هوية نفسه ولا يطبعها على الحق بنفسه وعياله ومحيطه يبتلعه فساد الجماعة والاجتماع”.وتابع: “إن لله حقا بكل إنسان، حسب قدرته، بما يأكل ويشرب وينام ويسكن ويشتري ويبيع ويعلم ويعمل ويجمع وينفق، وأين هو من قضايا المظلوم والمحروم والمعذب والمنهك والمنهوب والمكروب، خاصة ما يلزم لممانعة الظالم والفاسد والسلطة الجائرة، وأباطرة الضلالة والجور، وإن الرجل لا يدخل الجنة حتى يعرض على بصره وسمعه ولسانه وعاطفته ومهنته وماله وغريزته وشهوته ومحرمه وجاره ومن يعمل عنده أو لديه، وطبيعة ما قام به، أو ما يجب أن يقوم به، وما يجب عليه ليقيم حقا ويبطل باطلا، حتى رغيف الخبز من أين وكيف، وحتى المظلمة في أقصى الأرض، وإن الله ليجمع الخليقة على الخير والشر، والظالم والمظلوم، والساكت والناطق، وعلى المجاهد والتارك، وعلى المهتم والمستهتر، وعلى الجود والبخل، وعلى العطاء والمنع، وعلى الحب والكراهية، وعلى الشك واليقين، وكل مسؤول عما يراد به في دنياه وآخرته، ولكل حظه من اليقين والواجب عليه والزاد المأمور به، فمن نكل أو استهتر أو امتنع أو نأى بنفسه فقد نكل بنفسه، وضيع حظ دنياه وآخرته، وذلك هو الخسران المبين”.وقال: “ألا فاتقوا الله الذي بعث فيكم رسولا يتلو عليكم آياته ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة، وأمركم بزاد المعاد، ومحجة الانقياد، حتى لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وإن الله تعالى تخير حبيبه محمدا(ص) فتفرد به بسدرة المنتهى، وعظم أمره، وقدر شأنه، وخصه بنفسه فقال {ورفعنا لك ذكرك}، ونزل طاعته من طاعته، وهدايته من هدايته، فقال {من يطع الرسول فقد أطاع الله} وفوض إليه أمر دينه فقال {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، ونزل قوله من قوله، وبيانه من بيانه، فقال {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى}، وجمعه بذات الوحي على التفرد المطلق، فقال {فأوحى إلى عبده ما أوحى}، ثم قال للخلائق إن لحبيبي محمد منزلة قدرتها بنفسي وعظمتها بصلاتي وعلو مشيئتي فقال {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}.”وقال: “أيها الإخوة المؤمنون، نتوجه بداية لحضرات المطارنة المحترمين، ولكل شركائنا في الوطن، ونقول لهم: لبنان وحدة وطنية وسيادة، وبلا سيادة لا قيمة للبنان، وما يجري على الجبهة الجنوبية أهم حرب سيادية على الإطلاق، وسيادة لبنان تعنينا، وأمن إسرائيل لا يعنينا، وأهل الجنوب بطوائفهم وباختلاف مشاربهم شرف لبنان وسادة كل الحروب السيادية، وتاريخهم وحاضرهم يضعهم بمرتبة الشرف الوطني، لم يدافع عنهم أحد في الماضي، وهم الآن لا يحتاجون لمن يدافع عنهم، لأنهم درع لبنان الوطني وحماته وأهل تضحياته منذ اليوم الأول للاحتلال الإسرائيلي وما زالوا وسيبقون كذلك للأبد”.أضاف: “إن المطلوب اليوم هو موقف أخوي يخدم مصالح لبنان وشعبه، لا مصالح تل أبيب، وما تقوم به مقاومتنا وظيفة وطنية عليا لكل لبنان بكل طوائفه، وواجب الجميع الأخلاقي والوطني والإنساني ملاقاة المقاومة والمفاخرة بانتصاراتها وتضحياتها وتأمين ظهرها، لا أن نطعن فيها؛ ولن نقبل بأي موقف ينتقص من سيادة لبنان. وفيما خص الوضع المحلي، المطلوب تزخيم العمل الحكومي بمجال الخدمات الصحية والاجتماعية، وخاصة وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة والضمان الصحي، وكفانا ذبحا لحقوق شعبنا وناسنا على أبواب المستشفيات، وتعريضهم للإهانات والمذلة اليومية. واليوم وليس غدا، المطلوب أخذ إجراءات شاملة بخصوص النزوح وحماية الأسواق، واليد اللبنانية العاملة، وإلا فإننا نعمل على إبادة ما تبقى من مقومات لبنان. وأما على المستوى الإقليمي، فإننا نعزي الحشد والمقاومة العراقية والقيادات الوطنية في العراق، ونؤكد وحدة الصف والموقف من صمود وثبات ومقاومة وترابط الساحات والميادين، والجهاد حتى النهاية لتغيير واقع هيمنة واشنطن وتل أبيب في كل منطقة الشرق الأوسط. وفيما تخوض صنعاء أكبر حروبها على الإطلاق، تبدو غزة بموقع التضحية والثبات والانتصار الاستراتيجي، فيما جبهة جنوب لبنان تتصاعد على وقع ضمان سيادة لبنان والثأر من أسوأ كيان إرهابي في المنطقة. ومن لا يشارك في مواجهة هذا الطغيان والعدوان على المنطقة فإنما يحكم على نفسه بالهزيمة والهوان”.وختم: “أخيرا بخصوص القرار 1701، المقاومة خاضت غمار معارك وحروب طيلة نصف قرن لتستعيد أرض لبنان وتحمي سيادته وقراره الوطني، ودفعت في سبيل ذلك أعظم القرابين والتضحيات، ومن هنا لا يمكن لأحد مهما علا شأنه أن يشترط على المقاومة بخصوص سيادة لبنان وطبيعة الترسانة الضامنة للبنان وسيادته، وبين السيادة والحرب لن نتلكأ عن اختيار الحرب، وسنكون جميعا في خندق واحد للدفاع عن لبنان وسيادته وشعبه”.(الوكالة الوطنية للإعلام)