التيار في ذكرى التفاهم:نعم للحوار.. ولكن!

10 فبراير 2024
التيار في ذكرى التفاهم:نعم للحوار.. ولكن!


من دون طنّة ورنّة، أو ربما مرور الكرام، مرّت ذكرى التفاهم بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، أو ما سُمّي بـ”تفاهم مار مخايل”، بعدما “تجاهلها” الحزب بالمُطلَق، وهو المنهمك بتطورات الجبهة الجنوبية المتسارعة، فيما بدا “التيار” في المقابل كالذي “يتحسّر” على تجربة لم تحقّق له ما أراد، فاستحضرها باستحياء، ووضعها بموازاة ذكرى وثيقة الاخوّة الإنسانية التي وُقّعت بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الشريف احمد الطيب.

Advertisement

 
في مواقف “التيار الوطني الحر” في المناسبة، مُرّرت أكثر من “رسالة”، اختصرها رئيسه الوزير السابق جبران باسيل بقوله إنّ وثيقة التفاهم “لم تحقّق الكثير من غاياتها السياسية وعلى رأسها بناء الدولة”، ولو حاول “تلطيف” الموقف، بالحديث عن بعض ما نجحت في تحقيقه في المقابل، ومن ضمن ذلك حماية الوحدة الوطنية، ومنع الفتنة الطائفية، والتأكيد على الشراكة، وكلّها عوامل لم تكن كافية لـ”تحصين” العلاقة الثنائية، إن جاز التعبير.
 
وإذا كان “التيار” يتصرّف وكأنّ العلاقة مع “حزب الله” باتت من الماضي، وهو ما يتجلّى في المواقف “الانفعالية” لبعض جمهوره، خصوصًا عبر منصّات التواصل، فإنّ المفارقة التي توقّف عنده كثيرون يتمثّل في استغلاله الفرصة لتأكيد “انفتاحه” على الحوار الذي يقول إنّه كان “السبّاق بالدعوة اليه والاستجابة له”، من دون أن ينسى إضافة “ولكن” عند الحديث عن دعوة رئيس مجلس النواب إلى حوار لا يُعرَف “شكله أو نوعه أو برنامجه أو آليته”!
 
رسائل إلى “حزب الله” 
عندما يقول باسيل في ذكرى تفاهم مار مخايل إنّ الوثيقة التي أبرمها مع “حزب الله”، وكان يدعو إلى “تعميمها” على سائر القوى السياسية، إنّها لم تحقّق الكثير من غاياتها السياسية، ويحصر إنجازاتها بعناوين عامّة، ولو كانت جذابة، كحماية الوحدة الوطنية ومنع الفتنة، فهو يوجّه بطبيعة الحال رسائل إلى “حزب الله”، التي يقول العارفون إنّها تكاد تصل إلى نقطة “القطيعة”، ولو أنّ الجانبين يحرصان على ترك “شعرة معاوية” على خطّها.
 
بحسب ما يقول العارفون، فإنّ امتعاض “التيار” من “حزب الله” الذي يتدرّج صعودًا منذ إعلان الحزب خوضه “معركة” رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية الرئاسيّة، لم يعد خافيًا على أحد، ولعلّ أبرز ترجمة له تمثّل في تعيين باسيل ناجي حايك نائبًا له للشؤون الخارجية قبل أشهر، وهو الرجل الذي يقول جهارًا إنّ “حزب الله ليس حليفًا”، والذي كان باسيل “يتنصّل من مواقفه” إزاء الحزب، باعتباره لا يمثّل سوى نفسه، قبل أن يمنحه هذه “الشرعيّة”.
 
ولعلّ كلام مسؤولي “التيار” في ذكرى التفاهم يعزّز الانطباع عن “شبه قطيعة” بين الطرفين، كان تعيين حايك قد أسّس لها أصلاً، علمًا أنّ الخلاف وفق ما يقول العارفون، لا يرتبط فعلاً بمشروع “بناء الدولة” الذي لم يكن اختلاف الجانبين بشأنه سببًا للصدام كما هو اليوم، بقدر ما يرتبط بتموضع الحزب الرئاسي الذي “أغضب” باسيل، علمًا أنّ هناك من يؤكد أنّ “تخلّي” الحزب عن فرنجية من شأنه إعادة العلاقة إلى سابق عهدها، وكأنّ شيئًا لم يكن.
 
موقف “التيار” من الحوار 
لا شكّ أنّ ذكرى تفاهم مار مخايل شكّلت بالنسبة لكثيرين فرصة لإعادة تقييم العلاقة “الملتبسة” في مكانٍ ما، بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، لكنّ “التيار” نفسه سعى في المقابل لاستغلالها من أجل التأكيد على “إيجابية مطلقة” تجاه الحوار، سواء عبر باسيل الذي قال إنّه سيبقى “حاملاً لرسالة التفاهم”، أو عبر هيئته السياسية التي أكّدت مرّة أخرى “إيمان التيار الوطني الحر بالحوار وحرصه على نجاحه”.
 
لكنّ هذه الإيجابية المطلقة لا يبدو أنّها تسري على المبادرة الحوارية لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان “التيار” من القوى التي عطّلته من الأساس، وهو ما تعزوه أوساط “التيار” إلى عدم الوضوح في شكل الحوار وبرنامجه، حيث إنّ الرئيس نبيه بري وفق هذه الأوساط اكتفى بالحديث العام عن الحوار، من دون أن يخوض في تفاصيله، وهي التفاصيل التي تكمن فيها الشياطين، والتي من شأنها أن تقود إلى نتائج “عكسية” لتلك المرجوّة.
 
وإذا كانت أوساط “التيار” تقول إنّ الموقف من حوار بري ينبع من “الحرص” على نجاح الحوار وليس العكس، باعتبار أنّ أيّ فشل من شأنه “تعقيد” الأمور أكثر، في حين أنّ المطلوب حوار يفضي فعلاً إلى انتخاب رئيس للجمهور، يقول خصوم “التيار” إنّ الطرح الذي يقدّمه الأخير لا يبدو “متينًا”، فالحوار هو حوار، ولا رماديّة فيه، والأساس فيه هو الذهاب إليه من دون “شروط مسبقة”، بعكس ما يفعله “التيار” الذي يبدي انفتاحًا في العلن، لكنّه لا يترجمه على الأرض.
 
هي قصّة “إبريق الزيت”، كما يقول البعض، مع قضية الحوار، الذي لا يزال صعب التحقيق بعد أشهر طويلة من الفراغ الرئاسيّ. بهذا المعنى، يثير موقف “التيار” الجدل برأي الكثيرين، فهو يقول إنه مع الحوار، بل إنّه السبّاق إلى الدعوة إليه، لكنّه في المقابل لا يمارس ما يسهّل نجاح مثل هذا الحوار، بل يعطّله في مكان ما من دون تقديم بديل، ولعلّ السؤال المفترض بناءً عليه لا يجب أن يكون عن “شكل” حوار بري، بل “أي حوار يريد باسيل”؟!