في وقتٍ تبلغ الحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان، توازيًا مع حرب غزة، ذروتها على وقع الانتهاكات اليومية والمتمادية للسيادة اللبنانية، عبر مجازر واستهدافات “عابرة” للمنطقة الحدودية الجنوبية، يبدو أنّ الاستحقاق الرئاسي عاد ليغيب عن سلّم الاهتمامات، بعدما تقدّم بضع خطوات مع الحراك الخجول الذي قام به سفراء دول المجموعة الخماسية المعنيّة بالشأن اللبناني، أي فرنسا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر.
فعلى الرغم من مرور أيام طويلة نسبيًا على حراك سفراء “الخماسية”، إلا أنّ أيّ جديد لم يطرأ، وعاد الجمود ليسيطر على الملف الرئاسيّ، في ظلّ تمسّك كل فريق بمواقفه المُعلَنة، من دون أن يدفعه الهمّ الأمني المستجدّ إلى إظهار أيّ “مرونة” قد تكون مطلوبة في هذه الظروف، وسط ترقّب متواصل للاجتماع المرتقب منذ مطلع العام الحالي لممثلي “الخماسية”، والذي تكثر التسريبات والتكهّنات بشأنه، خصوصًا في ظلّ تأخّره الملحوظ.
وبانتظار حصول هذا اللقاء، الذي قد يفتح باب “مشاورات جديدة” قد يطلقها الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إذا ما عاد إلى بيروت، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام حول مدى قدرة “الخماسية” على إحداث “خرق نوعي” يُبنى عليه في ضوء الاصطفافات السياسية المعروفة، ولكن أيضًا حول مدى استعدادها لفرض العقوبات التي لطالما لوّحت بها ضدّ المعرقلين، أو ربما إعادة التلويح بها مرّة أخرى، وبصورة أكثر جدّية.
خيارات “الخماسية”
يقول العارفون إنّ اجتماع “الخماسية” المؤجّل سيبحث في عدّة خيارات على مستوى مقاربة الاستحقاق الرئاسي اللبناني، وسط حديث عن “تفاوت” في وجهات النظر بشأنها بين دول “الخماسية” نفسها، ومن بينها استكمال المبادرات والوساطات التي كانت قائمة أصلاً والتي لم تُفضِ إلى نتيجة، ومنها المبادرة الفرنسية التي تصرّ عليها باريس الباحثة عن دور في المنطقة، فضلاً عن الوساطة القطرية التي دخلت على الخط بقوة قبل حرب غزة.
من الخيارات التي ستوضع أيضًا على طاولة “الخماسية” للنقاش والحسم، فكرة الإبقاء على الحديث عن “مواصفات” الرئيس العتيد، وبينها أن يكون سياديًا وإصلاحيًا، وهي “مواصفات” أصبح واضحًا أنّها تنطبق على الكثير من المرشحين المُعلَنين منهم والمُضمَرين، إن لم يكن الجميع بشكل أو بآخر، وبالتالي أنّها لا تقدّم ولا تؤخّر كثيرًا في المعادلة، ولا تساعد فعليًا على إنجاز انتخاب الرئيس، بل تفيد في صياغة بيانات “إنشائية” في أحسن الأحوال.
وفي مقابل هذه الفكرة، ثمّة من يدفع باتجاه أن تذهب “الخماسية” إلى تسمية مرشحين محدّدين، وبالتالي خوض معركتهم “الرئاسية”، وهي فكرة يعتقد كثيرون أنّها وحدها يمكن أن تفضي فعلاً إلى الانتخاب، لكنها تلقى معارضة من أطراف داخل “الخماسية”، تعتبر أنّ دور “الخماسية” ليس انتخاب الرئيس نيابةً عن اللبنانيين، ولا فرض الرئيس عليهم، وإنما تشجيعهم على إنجاز الاستحقاق، ومساعدتهم على ذلك وفق الموارد المُتاحة، وليس أكثر من ذلك.
ماذا عن العقوبات؟
انطلاقًا ممّا تقدّم، ثمّة خيار آخر يسعى البعض لوضعه على طاولة “الخماسية” أيضًا، وهو المرتبط بالعقوبات على معرقلي الانتخابات الرئاسية، علمًا أنّ “الخماسية” سبق أن لوّحت في اجتماعات سابقة باستخدام هذا “السلاح”، لكنّها لم تترجمه إلى خطوات فعلية وملموسة على الأرض، إذ بقي “حبرًا على ورق”، من دون أن يؤدي إلى أيّ “خروقات”، لأنّ مسار العرقلة لم يتغيّر، وبقي إنجاز الاستحقاق يصطدم بفيتو هذا الفريق أو ذاك.
وفيما لا يستبعد العارفون أن تعيد “الخماسية” التلويح باستخدام هذا السلاح، وربما تقدم على فرض عقوبات ولو “رمزية” ضدّ بعض القوى السياسية اللبنانية على خلفية الاستحقاق الرئاسي، فإنّ المشكلة في هذه المقاربة بحسب ما يقول هؤلاء، تكمن في كيفية “تشخيص” المعرقلين، فهل يكون هؤلاء من يطيّرون نصاب جلسات الانتخاب، علمًا أنّ الطرفين لوّحا باستخدام هذا “الحقّ”، أم من يرفضون التجاوب مع دعوات الحوار والتفاهم؟
وثمّة من يسأل أيضًا ما إذا كانت مثل هذه العقوبات يمكن أن تشمل رئيس مجلس النواب نبيه بري مثلاً، باعتبار أنّه لا يدعو إلى جلسات انتخابية، ولو أنّه يبرّر ذلك بأنّ عقد الجلسات بلا تفاهم مسبق ليس سوى هدر للوقت، علمًا أنّ دور الرئيس بري يفترض أن يكون “محوريًا” في تسهيل انتخاب الرئيس، وهو الذي يقدّم المبادرات الحوارية منذ ما قبل الفراغ الرئاسي، من دون أن يلقى التجاوب المطلوب من معظم الأطراف.
بمعزل عن الخيارات المطروحة على طاولة “الخماسية”، متى اجتمع ممثّلوها، ثمّة مفارقة يتوقف عندها كثيرون، تنطلق من أنّ اللبنانيين الرافضين للتفاهم فيما بينهم، لا يجدون حرَجًا في انتظار ما ستقرّره “الخماسية” بشأن استحقاق يفترض أن يكون سياديًا، بل هناك بينهم من يدعو إلى “سداسية” بدل “الخماسية” لتوسيع الأفق، في حين أنّ الأْوْلى بهؤلاء أن يمسكوا بزمام المبادرة، والتفاهم داخليًا لإنجاز الاستحقاق اليوم قبل الغد!
وسط هذه المؤشرات كان لافتا ان اجتماع سفراء دول “المجموعة الخماسية” في قصر الصنوبر بالامس انعقد بعيدا من الإعلام واصدرت السفارة الفرنسية ليلا بيانا مقتضبا عنه جاء فيه: “إجتمع سفراء اللجنة الخماسية لإعادة التأكيد على عزمهم تسهيل ودعم إنتخاب رئيس للجمهورية. واستعرضوا التطوّرات الأخيرة والإتّصالات التي جرت في لبنان والمنطقة. كما تمّت مناقشة الخطوات التالية الواجب إتّخاذها”.
وفي المحصلة بات واضحا ان لا توافق بعد على الحلول والاقتراحات في انتظار جولة جديدة من الاتصالات.