مع أنّ التفاهم بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” بدأ يترنّح، إن جاز التعبير، منذ إعلان الأول تبنّي ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، متجاوزًا اعتراضات رئيس “التيار” جبران باسيل وهواجسه، إلا أنّه بقي محافظًا طيلة الفترة الماضية، على ما يصلح وصفها بـ”شعرة معاوية”، على مستوى الموقف الاستراتيجي، في ما يتعلق بخيار المقاومة، وحالة الحرب مع إسرائيل.
إلا أنّ هذه “الشعرة” اهتزّت بشكل أو بآخر هذا الأسبوع، في ضوء موقف الرئيس السابق ميشال عون، الذي انتقد ضمنًا فتح “حزب الله” لجبهة الجنوب تضامنًا مع غزة، قائلاً “إننا لسنا مرتبطين بمعاهدة دفاع مع غزة”، وهو الموقف الذي استكمله الوزير باسيل بإعلانه معارضته لنظرية “وحدة الساحات”، أي “ربط وقف حرب الجنوب بوقف حرب غزة”، بل رفضه “تحميل البلد المسؤولية عن تحرير فلسطين”.
وإذا كانت العلاقة بين “حزب الله” و”الوطني الحر” تراجعت خلال الأشهر الماضية على المستوى السياسي، على خلفية الاستحقاق الرئاسي بالدرجة الأولى، وما تفرّع عنه من ملفات حكومية وتشريعية، فإنّ علامات استفهام تُطرَح عمّا بقي منها بعد هذا “الخلاف” حتى على المستوى الاستراتيجي، فهل يمكن القول إنّ “الطلاق النهائي” قد وقع نهائيًا بين الجانبين؟ وكيف ينظر “حزب الله” إلى مواقف عون وباسيل الأخيرة؟!
“الطلاق واقع”
بمُعزَلٍ عن مواقف عون وباسيل الأخيرة، والتي حملت بين طيّاتها العديد من الرسائل التي يفترض أن يتلقّفها “حزب الله”، يقول المطّلعون على الأجواء السياسية إنّ “الطلاق” بين الجانبين ليس “نتيجة عملية” لهذه المواقف كما يحاول البعض أن يوحي، بل إنّ العكس يكاد يكون صحيحًا، بمعنى أنّ هذه المواقف هي التي تترجم “الطلاق” الذي حصل، ولو جاء من طرف واحد، أي “التيار الوطني الحر”، حتى إثبات العكس ربما.
يوضح هؤلاء أنّ “الطلاق” وقع منذ تبنّى “حزب الله” ترشيح فرنجية، فاختار “التيار” طريق “الخصومة” معه، التي أخذت تتصاعد تدريجيًا، قبل أن تصل إلى ذروتها مع تعيين باسيل القياديّ ناجي حايك نائبًا له للشؤون الخارجية، وهو المعروف بمعارضته الشديدة لـ”حزب الله”، وقد تنصّل باسيل من مواقفه غير مرّة باعتبار أنّه لا يمثّل قيادة “التيار”، ليصل في النهاية إلى منصب تمثيليّ، لم يتغيّر معه شيء من هذه المواقف.
ويلفت العارفون إلى نقاط الخلاف “المتشعّبة” بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، وإن كان الأساس فيها كما يدرك القاصي والداني هو تموضع “الحزب” في ملف رئاسة الجمهورية، إلا أنّها تشمل الرؤى والتصوّرات حول العديد من الملفات، من بينها بناء الدولة الذي يفترض أنه كان عنوان التفاهم الثنائي بين الجانبين، فضلاً عن الموقف من الحكومة الحاليّة، والعلاقة مع رئيس مجلس النواب، ليُضاف إليها البند الأهمّ في قاموس “الحزب”، أي المقاومة.
“حزب الله” يتفهّم؟!
وإذا كان “حزب الله” حرص طيلة الأشهر الماضية على التعامل بهدوء مع مواقف “التيار” الانفعالية إزاءه، فلم يصدر عنه في الإعلام أيّ نقد مباشر لمن كان “حليفًا”، باستثناء “بيان يتيم” أصدره حين اتُهِم مباشرة بـ”الكذب” بصورة أو أخرى، فإنّ العارفين لا يستبعدون أن يتعامل بالطريقة نفسها مع مواقف عون وباسيل الأخيرة لسببين أساسيّين، أولهما حفظ “خط الرجعة” مع “التيار”، وثانيهما عدم المبالغة في ردّات الفعل.
ويذكّر العارفون بأنّ “حزب الله” لم يأخذ موقفًا “شخصيًا” ضدّ “التيار” طيلة الفترة الماضية، حتى حين انخرط باسيل بما سُمّي بـ”التقاطع” مع خصوم الحزب، ويعتقدون أنّ السيناريو سيكون “مشابهًا” هذه المرّة، علمًا أنّ عون وباسيل لم يكونا أصلاً “على الضفة نفسها” مع الحزب بالنظر إلى القضية الفلسطينية والدور المطلوب داخليًا في مساندتها، وبالتالي فما صدر عنها قد لا يكون جديدًا من الناحية “النوعية”، إن جاز التعبير.
من هنا، قد لا يذهب “حزب الله” وفق العارفين، لحدّ إبداء “تفهّمه” لما صدر عن عون وباسيل، لناحية رفض “ربط الجبهات”، ولا سيما أنّ الحزب يعتبر أنّ هذا الربط هو “واجب” يقوم به، تضامنًا مع الفلسطينيين، ولكنّه في الوقت نفسه، لن يبالغ في أيّ ردّة فعل، ولا سيما أنّ أكثر ما يهمّه هو الموقف “الاستراتيجي” من المقاومة، وهو الموقف الذي أبرزه “التيار” في حرب تموز 2006، وأكّد عليه باسيل بشكل أو بآخر في مؤتمره الأخير.
قد لا يكون جديدًا الحديث عن “خلافات” بين “التيار” و”حزب الله”، فالجانبان يتعاملان مع ورقة التفاهم على أنّها أصبحت “في خبر كان”، وبالتالي فإنّ العلاقة بينهما باتت “على القطعة” كما يحلو للبعض وصفها. لكن، ثمّة من يرى أنّ كلّ شيء يبقى “مرهونًا” بالموقف من الملف الرئاسي تحديدًا، وكلّ ما يتمّ تبادله من “رسائله” تأتي بهدف التوظيف السياسي رئاسيًا على وجه التحديد، فهل تؤكد الوقائع مثل هذا الاستنتاج؟!